د. صلاح سلطان

مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

وبعد

فهذا جهد المقل مع رجل مكثر من الخير، حباه الله تعالى قلبا ربانيا، وعلما فياضا نديا، وخلقا سخيا، واجتهادا في تجديد ، وعملا فيه من الله التسديد، فتح الله به القلوب وفرح به قوم مؤمنون ، وأغاظ الله به قوما ظالمين، حمل منهج الوسطية حتى صار رائدها، وتحرك بالدعوة حتى صار فارسها، وأستطيع أن أقول: الحمد لله الذي جعل في الأمة مثله.

أكتب عن التكوين العلمي والفكري للقرضاوي آملا أن ألقي الضوء على ما هيأه الله من علوم درسها وشيوخ ساهموا في تكوينه وملكات أنضجها الله منذ الصغر حتى بدأ وهو في الابتدائي يخرج عن التقليد لمذهب الشافعي في نقض وضوء الرجل أو المرأة إذا تلامسا حيث كان يفتي بغير ذلك حتى شاع في القرية "صلي على مذهب القرضاوي" فمن سفط التراب إلى قلب وأطراف العالم كله صار القرضاوي إمام عصره في الفقه والاجتهاد السديد بفضل الله ومنته.

أسأل الله تعالى أن يزيده من فضله وأن ينفع به العالم كله وأن يجمعنا به دائما على خير في الدنيا والآخرة.

نبدأ في الحديث عن شيخنا تكوينا علميا وفكريا من زوايا ثلاثة هي:

الموسوعية والمنهجية والتكاملية

المطلب الأول: الموسوعية في التكوين العلمي والفكري للقرضاوي

لاشك أن من يسمع أو يقرأ أو يحاور الشيخ القرضاوي بقلب سليم وعقل موضوعي فسيجد نفسه أمام بحر من العلم الموسوعي، والفكر الثري، والجديد الندي، فهو بحق يغرف من بحر ولا ينحت من صخر، ولا يزال الشيخ عاكفا في محرابه العلمي يغذي هذا النهر الفرات بماء جديد ورأي سديد، وكأنّ نهمه القوي يجأر بالدعاء إلى رب الأرض والسماء: "وقل رب زدني علما".

وإذا رجعنا إلى ما كتبه علماء الأصول في التكوين العلمي للمجتهد فإن الشيخ الجليل قد استوفى وزاد من العلوم والمعارف ما جعله بشهادة كل منصف من أهل العلم أنه المجتهد المطلق، وفقيه العصر، وداعية الأمة، والمجاهد في الميدان الحق والمصلح لأمته والرائد للوسطية.

وفى هذا العرض الموجز سوف أقف على موسوعية التكوين العلمي للشيخ من جانبين هما: أهم العلوم التي درسها وتبحر فيها، والشيوخ الذين نهل منهم فساهموا في تكوينه الموسوعي، بالإضافة إلى هبة الله له وللأمة في الملكة الفقهية التي عبر عنها الشاطبي في الموافقات بقوله : لا يبلغ أحد درجة الاجتهاد إلا بإدراك فقه النص وفقه الواقع، وهما مكتسبان، وفقه إنزال النص علي الواقع، وتلكم موهبة يؤتيها الله من يشاء من عباده، وهذه التي جلبت له الأعداء، وحسده عليها بعض العلماء، والله يقول "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" [سورة النساء:54]

أولا: العلوم التي درسها:

أستعرض الآن أهم العلوم التي تبحر فيها الشيخ، وساهمت بقوة فى تكوينه العلمي الموسوعي

1ـ القرآن وعلومه:

لقد حفظ الإمام القرضاوي القرآن حفظا دقيقا على يد الشيخ حامد زويل وهو في سن العاشرة، وأمّ الصلوات وهو في هذه السن، وعاش بالقرآن وللقرآن ودرس علومه وتفسيره في مدارسه المختلفة وألّف فيه كتابه المتميز كيف نتعامل مع القرآن، والمرجعية العليا للقرآن والسنة، والعقل والعلم في القرآن الكريم، والحق أنك تجد الآيات تجري على فم الشيخ وكتاباته مثل سريان الماء العذب الزلال.

2ـ السنة وعلومها:

لقد أتقن الشيخ الصناعة الحديثية سنداً ومتناً، رواية ودراية، فقها ومنهاجا، وأسس ورأس مركز السنة النبوية، وتابع وراجع تخريجات المحدثين حتى استدرك على شيخ المحدثين الألباني وانتقده في تخريجاته الفقهية، وقدم رؤية منهجية متميزة في كتابه "كيف نتعامل مع السنة النبوية"، سواء للدعاة أم الفقهاء، ووضع من الضوابط الثابتة ما يجعل للسنة مكانتها الصحيحة بدون رفض الصحيح، أو تصحيح الضعيف، وكتب أيضا "المدخل لدراسة السنة النبوية"، وحقق في براعة الترغيب والترهيب كأسلوب عملي في وضع ضوابطه موضع التحقيق، وكتب: نحو موسوعة للحديث الصحيح ـ مشروع منهج مقترح.

3ـ اللغة العربية وآدابها:

لا شك أن الشيخ بلغ في هذه المرتبة مبلغا كبيرا، فقد درس النحو بالابتدائية ست مرات كما يذكر هو، ومما درس صغيرا شرح الأجرومية في الأول الابتدائي، ثم التحفة السنية، وشرح الأزهرية، وشرح قطر الندى، وشذور الذهب، وأوضح المسالك وشرحه، والصرف للشيخ المراغي، والبلاغة: زهر الربيع، والبيان والبديع، وتهذيب السعد وشرحه، والوسيط في الأدب، في السنوات التالية، وتعامل صغيرا مع أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، وكتابات المنفلوطي والرافعي، والشعراء المعاصرين مثل شوقي وحافظ وغيرهم.

ولقد ساعدته قريحته الشعرية المتميزة، ونفسه الأدبية على استخدام هذه الدراسات في تنمية الموهبة الأدبية اللغوية الرائعة، فتسمعه سنوات لا تسمع منه لحنا، ويصحح لطلابه وإخوانه في الإعراب والتشكيل، وصارت اللغة ـ كوعاء للقرآن والسنة ـ سببا في فهم عميق دقيق للنصوص الشرعية والأحكام الفقهية، والكتابات السهلة العذبة والمتقابلات النادرة، والمترادفات الرائعة، فصار من السهل حفظها وتكرارها، ونبغ في ذلك نبوغا حتى اختلف شيخاه الغزالي والبهي بعد نشر قصيدته: "السعادة": هل يكون شاعرا عظيما أم عالما كبيرا، فأخذ الشيخ القرضاوي برأي الشيخ البهي أن يكون عالما، ولا يحرم نفسه وأمته من الشعر خاصة في قصائده: النونية، والأصوليون، وأنا عائد، ومسلمون التي كنا شبابا في الجامعات نشدو بأشعاره في كل المنتديات التربوية والأدبية، فبرع في الغايات والأدوات في الوقت نفسه.

4ـ الفقه وأصوله:

لقد كان الشيخ حنفيا ودرس في أصول الدين وهي تركز على دراسة النصوص قرآنا وسنة، سيرة وتاريخا وحضارة، لكن الشيخ منذ صغره كان مولعا بالفقه، فدرس اللباب للقدوري، والاختيار وسبل السلام ونيل الأوطار والمحلى، ويذكر قصته مع المحلى الذي أعجب به وانتقده، أنه اشترى المحلى كله ما عدا الجزء الأول بخمسة وخمسين قرشا ( أقل من عُشر دولار) وجلّده بخمسة عشر قرشا لكل مجلد، فصار التجليد أغلى من ثمنه الأصلي، ثم عاش مع المغني لابن قدامة وهو في الجامعة، والمجموع للنووي، وبالتالي استكمل منهجه العلمي وتوفيق الله له دراسات كلية الشريعة مع كلية أصول الدين، فجمع بين مدرسة النص والفقه، الأثر والنظر، أهل المعاني والقياس وأهل النص ودلالاته.

5ـ الدراسات التاريخية:

اهتم الشيخ بالسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، والدراسات التاريخية، سواء في الأزهر أو بجهد شخصي من الشيخ ، فيقول كنت أقرأ تاريخ الأمم، ونظريات ابن خلدون في الحضارات، والأمم والشعوب وأخذ منها العظات والعبر في الإصلاح والتغيير.

6- الدراسات التربوية والنفسية والفلسفية:

لم يكتف الشيخ القرضاوي بالدراسات الشرعية واللغوية والتاريخية فقط، بل نهل من علوم التربية وعلم النفس والفلسفة، فدرس أصول الفلسفة أربع سنوات في الأزهر والمنطق القديم والجديد، ونظريات أرسطو وأفلاطون وديكارت، وبراندرسل ودراسات المستشرقين، والفلاسفة المعاصرين، ودرس أيضاً علم النفس وأصول التربية، وقد التحق الشيخ للدراسة بكلية التربية كي يكون مدرساً متميزاً فدرس علم النمو في مستوياته المتعددة من الطفولة حتى الرجولة، وعلم الصحة النفسية وعلم النفس التربوي، والدوافع والغرائز وأصول التربية وطرق التدريس العامة والخاصة ودرس التربية العملية على يد الدكتور محمد قدري لطفي، وهو من أعظم أساتذة التربية في مصر آنئذ، حيث كان الشيخ دائماً ما يحصل على الدرجة النهائية، ويذكر القرضاوي أنه درس فيما جميع المواد سواء الثقافة الإسلامية أو التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية، بل إنه درس التربية العملية للطالبات في معاهد قطر.

7- الدراسات الاقتصادية:

يقول الشيخ القرضاوي إنه لما بدأ يدرس الدكتوراه في فقه الزكاة : "وجدتني أتبحر في علوم الاقتصاد والاقتصاد السياسي" . وقد درس القرضاوي كتاب أصول المالية العامة للدكتور محمد عبد الله العربي، وغيره من أساتذة المالية العامة، وعندما ظهرت البنوك الإسلامية، يقول "درست أصول الشركات ونظم المعاملات المالية المعاصرة، إذ كنت أضيق ذرعاً بتدريس الفقه عارياً عن الربط بالواقع في شركات الوجوه والعنان والمفاوضة، حيث لا يربطون ذلك بالشركات المساهمة وذات المسئوليات المحددة والتوصية وعقود المرابحة للآمر بالشراء، والمعاملات البنكية المعاصرة والتأمين التجاري والصحي وغيره، هذه كلها تبحرت فيها وأخذت وقتي في استقصائها ومتابعتها"، ويضيف على قوله هذا "لا زلت أتعلم إلى اليوم".

8- العلوم الطبيعية:

لم يفت الشيخ دراسة العلوم الطبيعية في الأزهر حيث كان يدرس في الثانوي الرياضيات والعلوم والإحياء، وغيرها من العلوم التي ساهمت في إعداده بعد ذلك بالعلوم الطبيعية والفلكية في رؤية الأهلة والاعتداد بالحساب الفلكي في النفي دون الإثبات، ثم اجتهد أخيراً وقدم رؤيته باعتبار الحساب الفلكي دائماً في النفي والإثبات، وعندما أنشأ المعهد الديني في قطر سنة 1960 طالب بإقرار هذه المواد العلمية في المعهد.

أخيراً: العلم الذي ينقصه:

في الحق يرى الشيخ أنه لو استقبل من أمره ما استدبر لتعلم الإنجليزية مبكراً ، وهو الذي كان يرغب فيها رغبة شديدة، وعندما كان طالبا بالأزهر انتخبه الطلاب ليكون ممثلاً عنهم في اتحاد الطلاب، وكان يخرج بمظاهرات ويعقد مؤتمرات ويطالب بإدخال اللغة الإنجليزية إلى الأزهر في وقت مبكر، وفتح باب الكليات العسكرية والمدنية لطلاب الأزهر، وتطوير المناهج الشرعية والعربية، فقد كان الشيخ صاحب أمل أن يتم هذا على مستوى المقررات الدراسية الإلزامية.

لكن أعماله وأشغاله، ورحلاته الدائبة، وقراءاته الدائمة، وأنشطته الواسعة، حرمته من هذا، ووددنا كما يود سماحته لو كانت الإنجليزية قريبة من العربية التي يعتبر فارسها بلا منازع، ولا أنس أنه كان صاحب الفضل الأول بعد الله في دفعي لدراسة اللغة الإنجليزية.

ثانياً: الشيوخ الذين ساهموا في تكوين الشيخ:

كل طالب علم يمر على عشرات ومئات من الأساتذة والمدرسين، ولا يبقى محفوراً في العقل والوجدان إلا القليل أو النادر منهم، هؤلاء لهم خصوصية في حياة أي طالب علم، ومن سيرة الشيخ القرضاوي يتضح أن الله تعالى أعدّه للأمة، فهيأ له شيوخاً وأساتذة من الشموخ والقوة العلمية والدعوية والروحية والتربوية مما جعل للشيخ جوانب، من النبوغ ساهمت في تكامل الرؤية وجوانب العطاء في حياته الذاخرة بالخير وسوف أذكر أهم هؤلاء كما وردت في موسوعة ابن القرية والكتاب، وكتاب المنهج الدعوي عند القرضاوي للشيخ أكرم كساب.

1- الشيخ حامد أبو زويل:

يذكر الشيخ القرضاوي شيخه الذي حفّظه القرآن وتعاهده رغم يتمه، وأنه كان يجعلهم يكتبون على اللوح كل ما يحفظونه، فرسخ القرآن فيه، وجرى على لسانه كالماء ينساب إلى الأرض الجرداء لتنبت الأشجار وتخرج الأزهار والثمار.

2- الشيخ عبد المطلب البتة:

تعلم منه الشيخ الجرأة في قول الحق مع الهمة العالية.

3- الشيخ البهي الخولي:

كان للشيخ البهي تأثير كبير وفريد في الشيخ القرضاوي في نواحٍ كثيرة أهمها:

- كان يدرس في المدرسة الثانوية الأزهرية صباحاً، ويعلمه ويوجهه ويربيه مساء في حلقات الإخوان المسلمين.

- ضمه مع سبعة إلى كتيبة الذبيح وهي عبارة عن صيام والتقاء قبل المغرب على الأذكار، ثم مدارسات قرآنية وقيام وتهجد ودعاء وبكاء فغرست فيه الحس الإيماني المرهف من وقت مبكر.

- جمعه الشيخ البهي مع مجموعة منتقاة متميزة علما ودعوة وخلقاً ورقة منهم الشيخ أحمد العسال ود. عبد العظيم الديب، وعبد الفتاح حجازي، والبتنانوني.

- كان يوجهه إلى العلم والتعمق فيه، وحرص على ألا يتجه القرضاوي إلى الشعر ويترك العلم على خلاف رأي الشيخ الغزالي آنئذ.

- كان يقدم له توصيات تفتح له طرائق للعمل والدعوة، مثل التوصية عليه عند الشيخ عبد المنعم النمر، ويصف القرضاوي بأنه "فارع في العلم ولن يكون أقل من أعلى شيوخ الأزهر شأناً إن لم يبزهم".

4- الشيخ الشعراوي:

كان الشيخ الشعراوي صاحب قريحة لغوية وبلاغية عالية، حيث درّسه في الثانوي البلاغة والحق أن الشيخ الشعراوي رغم أنه كان عنيفاً عليه أحياناً أثناء الدراسة بسبب الخلاف بين الوفد والإخوان إلا أنه قطعا أضاف الكثير إلى الشيخ في البلاغة وتذوقها وصارا أصدقاء بعد ذلك.

5- الشيخ عبد الحليم محمود:

درّس للقرضاوي سنتين في كلية أصول الدين، وكان الجانب الأول الذي استفاد منه هو الزهد والتواضع وإذكاء الجوانب الروحية.

6- الشيخ سيد سابق:

وقد تعلم منه الشيخ الكثير وأهمه ما يلي:

· أن يرجع مباشرة إلى القرآن والسنة وليس الذهاب إلى كتب المذاهب كما كان شائعاً.

· عدم التقيد بالمذهبية.

7- الشيخ محمد الغزالي:

كان ذلك التعلم على الشيخ الغزالي مباشرة من خلال اللقاءات الإخوانية التي كانت تضمهما بعد أن جمعتهما الباخرة "عايدة" لترحيل الإخوان إلى معتقل الطور بسيناء ثم من خلال كتابات الشيخ الغزالي الوفيرة سواء، ما كان منها كتباً أو مقالات، وقد تعلم منها مباشرة في أن يكون عبداً ربانياً، وداعية ذا خلق راق، وحمية وثورة على الباطل، وتعلم منه تذوق القرآن بالعقل والقلب معاً، كما تعلم منه الدعوة للإصلاح ليس في مصر وحدها بل في العالم كله.

8- الشيخ حسن البنا:

كان للشيخ حسن البنا تأثير كبير في حياة الشيخ القرضاوي منذ لقيه في طنطا، وهو في السنة الأولى من المعهد الأزهري، فصار يسافر إليه في محافظات عدة ليستمع إليه ورأى فيه القائد المنتظر ورجل المرحلة وقد تعلم منه الكثير وأهمه:

· الاهتمام ببناء النفس مع إصلاح المجتمع.

· الاهتمام بقضايا الأمة في كل مكان في العالم.

· الاهتمام بالمشاريع العملية في الإنجاز الميداني، وليس فقط طرح وتأصيل القضايا فكريا.

· الجمع والتقريب بين صفوف جميع المسلمين مهما اختلفت مذاهبهم ومشاربهم.

· منهجية التغيير المتدرجة في رسالة التعاليم من الفرد إلى الأسرة والمجتمع ثم الحكومة والدولة والخلافة الإسلامية وأستاذية العالم.

ويعبر الشيخ عن مدى تأثير الشهيد حسن البنا فيه فيقول: والحق أني لم أعجب بشخصية حية لقيتها وتأثرت بها كما أعجبت بشخصية الشهيد حسن البنا، الذي آتاه الله من المواهب والقدرات والملكات ما تفرق في عدد من الشخصيات.

9- د. محمد يوسف موسى:

تعلم الشيخ القرضاوي من كتب الدكتور محمد يوسف موسى، والأهم من ذلك الدور الذى لعبه فى حياة الشيخ من الناحية العملية حيث كان له دور في تحديد اتجاه القرضاوي هل يدرس العقيدة والفلسفة أم علوم القرآن والسنة، فوجهه الشيخ موسى إلى أن يتجه إلى علوم القرآن والسنة، وحفزه بقوله: "أني أحسب أنك ستكون ذا دور إن شاء الله في الاجتهاد والتجديد لهذا الدين" ؛ ولذا كان أول من أهداه القرضاوي كتابه "الحلال والحرام في الإسلام".

10- الشيخ محمد الأودن:

كان يزوره القرضاوي في بيته ويتعلم منه الاهتمام بالجانب الروحي وأن إعداد القلب هو الذي يجعل للكلام قوة وتأثيرا لأن ما خرج من القلب يصل إلى نياطها.

11- الشيخ محمود شلتوت:

كان الشيخ القرضاوي يتعقب محاضراته في التفسير، إلى أن عمل في دائرة الثقافة بوزارة الأوقاف، وكلّف من الشيخ شلتوت بجمع فتاواه ومن ثقته به أن كان يعطيه الفرصة بإكمال أي نقص إن وجد.

12- الشيخ محمد عبدالله دراز:

لقد أفاد منه الشيخ من الموسوعية العلمية المتدفقة في التفسير والحديث واللغة وأيضا جمعه بين الثقافة الأزهرية الأصيلة، والفرنسية المعاصرة دون أن يتحول إلى الذوبان في ثقافة الغير، فصار هذا جزءاً من ثقافة ووجدان القرضاوي العقلي.

هناك شخصيات أخرى كانت ذات تأثير في حياة الشيخ وتكوينه العلمي والدعوي والفكري أوردها الشيخ أكرم كساب في كتابه عن منهج القرضاوي وهم ابن حزم الأندلسي والغزالي، وابن تيمية وابن القيم وابن رشد الحفيد، والشوكاني وصديق حسن خان ، ومحمد رشيد رضا والندوي والمودودي وعبدالعزيز كامل وسيد قطب.

ويلاحظ أن هناك أمرا قدره الملك سبحانه وتعالى للشيخ وهو من الرزق الواسع أن يتعاهد أمثال هؤلاء الأفذاذ من خيرة العلماء، وأن يتسم هؤلاء بهذه الصفات التي انطبعت في حس ووجدان القرضاوي منذ صغره فصارت نقشا على الحجر ثم نمت بتوفيق الله له، ثم متابعته واجتهاده ومجاهدته لنفسه؛ فسبق كثيرا من أساتذته وصار أمره كما ذكر الشيخ الغزالي كنت أستاذا له فصار أستاذا لي.

ونستطيع أن نوجز أهم الجوانب التي نلحظها في شيوخه الأجلاء فيما يلي:

1. الربانية والاهتمام البالغ بالجانب الإيماني الروحي، وهو ما يظهر جليا في صوت الشيخ ونبراته، وفتاواه وكتاباته، وخطبه ومحاضراته فهو بحق العالم الرباني ولعله سر القبول عند الناس، ونسأل الله له القبول الأكبر عند رب الناس.

2. الموسوعية حيث كان أكثر أساتذته من أصحاب الموسوعية المعرفية، وإن كان بعضهم يميل إلى علم أكثر من غيره، لكن الشيخ أدرك صغيرا ألا يقتصر على علم دون غيره فانفتح على الثقافات كلها.

3. توظيف الجوانب الإيمانية والموسوعية الفكرية في الحركة الدعوية فلم يكن درويشا في الصوامع، أو عالما في المكتبات بل آمن أنه يجب أن ننزل بالرسالة إلى الناس جميعا.

4. تحويل الأقوال والأعمال إلى مؤسسات دعوية وشركات تجارية ومؤسسات عصرية وجمعيات خيرية، وجامعات ومدارس إسلامية وهيئات للفتوى والاستشارات العملية.

5. الانتقال من الهم الخاص المصري إلى العالمية، والتحرك بهذا الدين إلى قلب وأطراف العالم عامة والأمة الإسلامية خاصة.

6. التدرج في الإصلاح والتغيير.

7. الجدية في طلب العلم والبحث والتحقيق والتدقيق.

........

- المقال منقول بتصرف عن بحث للدكتور صلاح سلطان عن الشيخ القرضاوي تحت عنوان "التكوين العلمي والفكري للقرضاوي".