هشام النجار 

لا يحزنني أن تمنع بريطانيا فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من دخول أراضيها، فأنا لا يسعدني أن يحط رحاله هناك ولو للاستشفاء، لا أرضى له أن يتنفس هذا الهواء المعبأ بالكراهية والحقد الأعمى الذي غطى على عقول القوم فأفقدهم رشدهم واتزانهم.

لم أحزن ولم أغضب ولم أتأثر، ولن أتزلف في هذه السطور القليلة لبريطانيا (العظمى)، ولن ألح على صاحبة التاج "إليزابيث الثانية" ولا حتى الثانية عشرة، لن أطمع في عطف وكرم الأمير "تشارلز"، ولا في إحسان "دوقة يورك"؛ فصغير النفس سيبقى صغيرًا مدى الحياة.

وسيبقى هذا الدين العظيم بآدابه وأخلاقه وقيمه ومبادئه ورموزه وعلمائه ودعاته شامخًا عزيزًا، وسيبقى رغم أنف الحاقدين مثلا أعلى في الاعتدال والتسامح والرحمة، مهما اجتهدوا في تشويهه، ومهما نفثوا في أفقه الرحب من دخَان، ومهما زرعوا في أرضه الندية من ألغام.

لن أحاول هنا إثارة نخوة الإنجليز ومروءتهم، لن أستثير رجولة حكامهم وشهامتهم، لن أخاطب عواطفهم، ولن أستنجد بمشاعرهم وأحاسيسهم، فقد بلغ بهم البرود إلى درجة الجمود، وتوقفت درجة حرارة أفئدتهم إلى ما تحت الصفر.

وهل بلغ الحقد بذويه حتى يتدلوا إلى هذا الدرك السحيق؟!، وحتى لو افترضنا يا أبناء الحضارة ويا دعاة التقدم أن بينكم وبين الرجل خصومة فكرية واختلافا في وجهات النظر، بل حتى لو افترضنا أن بينكم وبينه ثأرا ودما، فهل من الشهامة والرجولة أن نضنّ عليه بالعلاج حينما يطلب المجيء إلينا طالبًا العلاج؟!، لا أدري لماذا تذكرت الآن صلاح الدين (رحمه الله) وهو في أوْج صراعه العسكري والحربي مع الصليبيين، وهو في ذروة المواجهة مع ملك إنجلترا في ذلك الوقت "ريتشارد" (قلب الأسد)، رغم ذلك لم يضنّ البطل الإسلامي على الملك المريض بالزيارة، بل تفضل عليه وعلى قادته العطشى بالماء المثلج.

لن أتعلل هنا بالخوض في تاريخ بريطانيا الأسود ضد الإسلام، لن أفتح سجلها المليء بالخطايا، لن أسرد ما فعلوه في شبه القارة الهندية التي أججوا فيها الصراع، وزرعوا فيها بذور الفتنة، وأشعلوا فيها الأحقاد ضد المسلمين، وسعوْا في تأليب الهندوس، وفي تقسيم المنطقة التي لم تذق طعم الاستقرار منذ خروجهم سنة 1947 إلى الآن... لن أشرح هنا دور بريطانيا الرئيسي والحيوي في زرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، وفي قلب العالم الإسلامي، لن أخوض فيما أفسدوه باليمن، ولا ما تآمروا عليه في السودان ومصر، لن أستدل بما فعلته إنجلترا مؤخرًا بالعراق، فالحكم بعداء هذه المملكة على وجه الخصوص للإسلام ولقيمه ومبادئه ورموزه وحضارته أشهر من رجس الخمر وحرمة لحم الخنزير.

لن أشرح هنا كيف تفتح بريطانيا أبوابها على مصراعيها لكل مهووس مخرف، ولكل مرتد جبان، ولكل باحث عن شهرة زائفة أو ثروة غير مكلفة، اللهم إلا ثمن الحبر الذي يسطر به بذاءاته وأكاذيبه وشتائمه وخيالاته المريضة.

لن أتساءل: كيف تمنح صاحبة التاج "إليزابيث الثانية" شيطان رشدي (وليس سلمان) -الهندي الأصل، البريطاني الجنسية- لقب سير (فارس) بمناسبة احتفالها بعيد ميلادها الماضي، وقبلها حصل على جائزة وتيبرد البريطانية عن روايته القذرة (آيات شيطانية)؟، لن أتوسع في ذكر احتفاء بريطانيا بالضالين والمنحرفين والموتورين، أصحاب الأقلام المشبوهة والعقول المشوهة، فمِن رشدي إلى محمد شكري صاحب رواية (الخبز الحافي)، إلى عبد الرحمن منيف صاحب (مدن الملح)، إلى حنان الشيخ ونوال السعداوي، وغيرهم وغيرهن.

ولن أتساءل: كيف تُأوي بريطانيا كثيرًا من الإسلاميين أصحاب الصوت العالي والتوجه العنيف من المتعاطفين مع القاعدة، وتحارب وتطارد وتشوه صورة قطب من أقطاب الاعتدال في العالم الإسلامي، ورمز من رموز الوسطية، وهو العلامة الدكتور يوسف القرضاوي؟، فمكر الإنجليز ودهاؤهم -وقبل ذلك حقدهم على الإسلام، والرغبة في إظهاره كدين عنف وإرهاب- تجعلهم يفعلون أكثر من ذلك.

فقط أردت هنا أن أقول للشيخ الوقور والعالم الجليل يوسف القرضاوي: شفاك الله وعافاك أيها المعلم والأستاذ, ولئن منعتك بريطانيا من دخول أراضيها فلديك تأشيرة دخول ملكية، امتلكتها بعلمك وصبرك وجهادك وعطائك على مر السنين، وهي حب المسلمين في كل أقطار الأرض لك، وأنا على يقين بأنهم جميعهم يدعون لك بالشفاء.

..........

*   نقلا عن موقع الإسلام اليوم.