جمال سلطان

أصابتني الدهشة وأنا أقرأ مقال الأستاذ فهمي هويدي في صحيفة الدستور أمس بعنوان "أخطأت يا مولانا"، وهو المقال الذي عقب فيه على تصريحات الشيخ القرضاوي وبيانه عن التهديدات الإيرانية لوحدة الأمة والعبث الذي تمارسه بجهودها لتشييع مجتمعات سنية، وأعتقد أن هويدي كان متوترا بشكل زائد عن الحد وهو يكتب مقاله، لأنه افتقر إلى حصافته المعهودة وتحوطه في الكلام واعتداله، ولأن ما ورد فيه أقل ما يقال عنه أنه كلام لا يليق بين التلميذ وشيخه، إن صح التعبير، فقد تجاوز فهمي هويدي الكثير من حدود اللياقة وأدب طالب العلم والمعرفة في حديثه إلى الشيخ، لدرجة أن يسمح لنفسه أن يعطي القرضاوي دروسا في فقه الموازنات وفقه الأولويات..

هذا "العيب" لم أكن أصدق أن يخرج من فهمي هويدي، الوافر الذكاء والذي يملك أدوات الكتابة باحتراف ومهنية لا تبارى ضد شيخه الذي قضى شطر عمره في تدريس فقه الموازنات والأولويات وألف فيه عشرات الكتب والدراسات الرصينة كما كان ينقل عنه هويدي نفسه بانبهار هذه المعالم، وكل ذلك لأن الشيخ قال كلاما لم يعجب هويدي، ثم إن بعض الكلام الذي ساقه هويدي يصعب استيعاب منطقه، إن كان له منطق، فلم أفهم مثلا قوله بأن انتقاد القرضاوي لإيران وعمليات الاختراق الشيعي بأنه يعني التهوين من إنجازات حزب الله في لبنان، بصراحة صعب جدا علي استيعاب الصلة أو الرابط، إلا إذا كان هويدي اعتبر أن مقاومة حزب الله هي مقاومة شيعية إيرانية وبالتالي عندما تنتقد الاختراق الشيعي أو الإيراني فأنت تنتقد حزب الله اللبناني بالضرورة..

ثم ما هي المشكلة في أن تنتقد تنظيم حزب الله، هل هو تنظيم ملائكي، حساباته وعلاقاته كلها طاهرة مطهرة، هل أصبح تنظيم حزب الله من مقدسات الأمة ومحرماتها، أو أن حسن نصر الله أصبح من بقية الأئمة المعصومين، وقد حرص هويدي على الطعن في مصداقية الشيخ بقوله: إذا افترضنا أن ما قاله صحيح، وهذا كلام تقوله للعامة والمسطحين والغوغاء ومن عرفت عنهم النزق والشطط والضحالة العلمية والصدور عن الهوى، ويكون من العار عليك أن تتحدث به مع مثل الشيخ القرضاوي الذي تعرفه ونعرفه، رغم أن هويدي عاد وقال في مقاله نفسه: إنني قد أتفق معه بصورة نسبية في بعض ما قاله، دون أن يوضح ما هي الأجزاء التي يتفق معه فيها وما هي هذه النسبية الحصيفة، هل في كلامه عن المليارات التي تنفقها إيران لاختراق المجتمعات السنية وكان أولى بها أن تنفقها فيما ينفع أو في دعوة مجتمعات الوثنية والشرك أو في عون المحتاجين من المسلمين، غير أن أسوأ ما في مقال هويدي هو إهداره التام لكرامة "شيخه" وعرضه، واتخاذ المقال من أوله لآخره منحى الانتقاد للشيخ وإهانته وتحميله مسؤولية كوارث الدنيا كلها، بدءا من انهيار الموقف ضد العدوان الصهيوني إلى تشجيع العدوان على إيران إلى ضرب المقاومة إلى شق صف الأمة إلى نزع سلاح حزب الله، ولم يبق إلا أن يحمله أسباب كارثة الدويقة، كل ذلك دون أن يتكلم هويدي بكلمة واحدة عن البذاءات الإيرانية التي وجهت إلى "شيخه" والشتائم التي وصفها الشيخ الغنوشي بأنها "سافلة"، لم يستفز هويدي أن يشتم شيخه بأنه ماسوني وأنه عميل صهيوني وأنه عدو للنبي محمد وآل بيته، لم يحرك هذا كله شعره في ضمير فهمي هويدي، وكأنه يقرهم على ما قالوا، أو كأنه يعتبر تلك الشتائم والسخائم والبذاءات عقابا مناسبا "لشيخه"، يستحق أن يدعمها بكلامه، أو أن يتجاهلها، وهذا أضعف الإيمان عنده، خاصة وأنه في ختام مقاله اعتبر أن القرضاوي أصبح سببا للمشاكل والفتن وليس حلالا لها، والحقيقة أن الاتهامات التي وجهها هويدي للشيخ يوسف في مقاله هي نفسها الاتهامات الإيرانية له، فقط خفف منها الشتائم المباشرة والبذاءات، ولكن نفس الاتهامات، فمن يقرأ مقال هويدي يخرج بانطباع وحيد، وهو أن القرضاوي يخدم المخططات الصهيونية والماسونية والأمريكية والعدوانية، ولا أدري، هل هذه الرسالة يريد أن يبعث بها إلى شيخه، أم إلى قارئه، أم إلى الإيرانيين، اللهم إني صائم.

.........

- نقلا عن صحيفة المصريون