للأستاذ المستشار طارق البشري جهده غير المنكور وجهاده غير المدفوع، و له كذلك فينا أصوله النفيسة التي ينزع إليها ويعرف بها، ومع عظيم تقديرنا له واعترافنا بفضله فإننا ولأول مرة نضطر بما كتب أخيرا في قضية السنة والشيعة أن نعلن اختلافا لنا معه فيما نشر له بصحيفة الدستور القاهرية؛ وذلك على رجاء المراجعة المصححة للمواقف فإن الفقيه يرجع عن القول إذا اتسع علمه – كما ذكر الإمام الذهبي في تاريخه الكبير، ومثله ممن لا يمتنع عنها ولا يدفعها كغيره، وهو من خيرة المستوعبين والحافظين للقاعدة العمرية في القضاء " ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهُدِيتَ فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق ،فإن الحق قديم لا يبطله شيء،ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل..... وإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويُحسِنُ به الذكر، فمن خلُصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس "[ إعلام الموقعين 1/ 86]

والمستشار الكبير طارق البشري هو عندنا واحد من هؤلاء إن شاء الله، ولهذا أسرعنا إليه بعد أن نعى علينا انبعاث همتنا لمدافعة الهجمة الشيعية التي جحدها وهي التي لا تخفى معالمها عليه والتي منها ما نشر لهم بصحيفة الحياة اللندنية يوم السبت 4من ذي القعدة 1427هـ ،25 نوفمبر 2006م من قيام الميليشيات الشيعية بخطف المصلين السنة من مساجدهم بعد أدائهم صلاة الجمعة وحرقهم بالنار بعد صب "الكيروسين" عليهم – وكان الخبر هو الخبر الرئيس لتلك الصحيفة بصدر عددها المرقوم ب (15940 )، وبعدها بالعدد (  15741) في10مايو 12 ربيع الثاني تنقل ذات الصحيفة عن مجلة "التايم الأمريكية"  ترشيحها لزعيم تلك الجريمة من الذين قاموا بتنفيذ تلك المجزرة ليكون واحدا من بين مائة شخصية هم الأكثر نفوذا والأكثر قدرة على تشكيل عالم اليوم  "مقتدى الصدر" وليكون الزعيم العراقي الوحيد.

ثم يأتي سيادة المستشار ليقول "إن الفاشِيَة التي فشت بين السنة والشيعة قد فشت من دون مناسبة تستوجب تخويف سنة المسلمين من شيعتهم؛ ودون أن يثور حدثٌ يفسر شيئا من ذلك،إنما ظهر الأمر بالأقوال والتصريحات والأحاديث والبيانات ليثير الأحداث، ويقلب الواقع- لعله يقصد المواجع- ويصرف الناس من شأن إلى شأن" الدستور 27/9، ولم يدر بخلد سيادته أو يستحضر  تلك المواجع التي أقضَّت المضاجع، وطفحت بها الصحف، وضجت من ذكرها الآفاق ،ليس أعظمها قبحا ما صرخ منه الشيخ "الكبيسي" وجأر له على صفحات مجلة البلاغ في التاسع عشر من ذي القعدة 1427هـ 10 من ديسمبر من أن الجثث التي تظهر في الشوارع العراقية كلها تعود لمعتقلين سنة لدى وزارة الداخلية، وأن سبعة وثلاثين ألف معتقل سني واجهوا جريمة الموت البطيء بالمعتقلات العراقية بدعم إيراني لجيش المهدي وفيلق بدر بقيادة المجرم عبد العزيز الحكيم، وأنه في شهر واحد هو شهر نوفمبر قد بلغ عدد القتلى السنيين 1923، و كانوا في شهر اكتوبر قد بلغوا 3709 شهيدا، ولسنا ندري كيف طاوع القلم سيادة المستشار ليتناسي تلك الوقائع وهو الذي عرفناه مُحَقِّقاً نزيها، مع كونه قاضيا عادلا ورجل مواقف؟!!

ثم يقول سيادته "إن مذهب الشيعة الجعفرية يدور في إطار أصول الدين التي تعتبرها جماعة المسلمين من ثوابتها العقيدية، والخلاف بينه وبين مذاهب أهل السنة خلاف في الفروع "، وفضيلته يعلم أن أصل أصولهم مبني على مجهول ومعدوم لاعلى موجود ولا معلوم، وهو القول بإمامة الغائب التي هي عندهم أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وأنهم لو لم يقولوا بغيرها لكفتهم في إخراجهم من جماعة المسلمين، فإن هذا القول بإجماع المسلمين كفر، لأن مسالة الإيمان بالله عندنا أهم من مسألة الإمامة،[ منهاج السنة 1/ 81]، وكذلك قاعدتهم الذهبية لهم المجمعون عليها من "أن حب عليٍّ حسنةٌ لا تضر معها معصية وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة" فإنها في دين الله كذلك هي كفر ظاهر كما نقل الإمام ابن تيمية [السابق 5/75]،ولأنها كذلك فإن الإمام ابن تيمية أراد أن يفتح لهم باب العذر فيها حتى لا يكفرون كلهم بها فقال " إن كثيرا من هؤلاء يقول حب علي .. إلخ" لكنهم لحمقهم لم يدَعوا له ولا لمعتذر عنهم سبيلا لقبول العذر فيهم عندها، فإذا بأشقاهم المدعو محمد بن مهدي الكاظمي القزويني في كتابه "منهاج الشريعة" يتوقح على الإمام ابن تيمية فيقول "إن دعوى الأكثرية بهتان منه، وأنهم جميعا متفقون على ذلك، فتخصيصه الكثير منهم بهذه العقيدة ليس له وجه سوى الكذب " [ منهاج الشريعة 1/98]، وهكذا صار ابن تيمية عندهم كاذبا لأنه أراد أن يفتح لهم باب الاعتذار لمن كان له مسكة من عقل أو شبهة من قلب، ثم يقول فينا المستشار إننا عمَّمنا أقوالا قديمة لقلة من الشيعة؟، والإمام ابن تيمية يقول" خاصة الرافضة الإمامية التي لم يشركهم فيها أحدٌ إلا من هو شرٌّ منهم كالإسماعيلية الذين يقولون بعصمة بني عبيد المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر القائلين بأن الإمامة بعد جعفر في محمد بن إسماعيل دون موسي بن جعفر، وألئك ملاحدة منافقون[ منهاج السنة 2/ 452] لكنهم عند الأستاذ طارق على هذا وعلى ما ذكرنا لهم من قبل من المكفرات أنهم في إطار أصول الدين !!!، كيف؟ الجواب عند سيادة المستشار. يقول الإمام ابن تيمية "إن قول الإمامية –الجعفرية- في عصمة أئمتهم قول مفرط في الجهل واتباع الهوى، والجهل لا حد له، وقد خرجوا به مع النصيرية والإسماعيلية من الدين بالكلية"[ منهاج السنة 2/454، 477].

إننا لن ندع الحقائق و قول أئمتنا فيها وروايتهم لها ومواقفهم منها لقول وظنون  أحبتنا مهما كان شأنهم فينا، فإن الأمر دين، خاصة  أنهم لم يقولوا ما قالوه فيهم إلا بعد البينة الواضحة فيهم  فقد قالوا  " اجتمع على دعوى حب عليٍّ الشيعة؛ والرافضة؛ والنصيرية؛ والإسماعيلية، وجمهورهم من أهل النار، بل مخلدون في النار" [ السابق 5/78]   

لقد خالف الإمامية الذين ينتصر لهم سيادة المستشار أهل البيت في عامة أصولهم، وشيوخ الجعفرية الإمامية معترفون بأن عقائدهم في التوحيد وصفات الله تعالى والقدر لم يتلقوها لا عن كتاب؛ ولا سنة ولا عن أئمة أهل البيت؛ إنما تلقوه عن العقل [ منهاج السنة 2/371]، ومن المتفق عليه إنه إذا صحت الأصول صحت الفروع، والعكس بالعكس، ولهذا كان أهل المدينة يتوقون أحاديث هؤلاء الإمامية الروافض لأنهم كانوا أكذب خلق الله، وكان الإمام مالك يقول " نزِّلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب، لا تصدقوهم؛ ولا تكذبوهم" وقد كان – ولا يزال- شر غير الروافض جزءا من شر الروافض [ السابق 2/477]، فإنه ما كُذِب على أحد مثل ما كذب هؤلاء على جعفر الصادق حتى نسبوا إليه كُتُباً ما صُنِّفت إلا بعد موته بنحو مائتي سنة كما قال ابن تيمية ،[منهاج السنة2/ 465]، فكيف تكون الأصول بعد هذا واحدة؟ ولهذا ما زال أهل العلم يقولون إن الرفض من إحداث الزنادقة الملاحدة، الذين قصدوا إفساد الدين دين الإسلام، ومنتهى أمرهم تكفير عليٍّ وأهل بيته بعد أن كفروا الصحابة والجمهور[ السابق 7/ 409] ذلك أن فكرة النص والوصية كما هو ثابت علميا وتاريخيا تضرب بجذورها إلى اليهود في قولهم إن موسي- عليه السلام- قد أفضى بأسرار التوراة والألواح إلى وصيه يوشع بن نون بعد وفاة وصيه الأول هارون، وأن يوشع أفضى بها إلى أولاد هارون شبر وشبير [الملل والنحل 2/ 16] وإلى الفرس في زعمهم بنوة الملوك لله تعالى ، ولوجود اليهود في البيئة العربية باليمن والعراق وجزيرة العرب فإن ذلك مهد لنشر آراء وأفكار اليهود في أساط الأغرار التي أبدلت يوشع بعلي وموسى بمحمد، ثم جاء التأثير الفارسي من الذين يدينون بألوهية الملك وبالوراثة في بيته مما ساعد ابن سبأ على الاستعانة بالتراث الفارسي الذي طعم به يهوديته،فأقحم عقيدة الوراثة الروحية أو النص او الوصية اليهودية وطعمها بالتراث الفارسي الوراثي، ثم أضفى عليها المسحة الروحية الإسلامية التي اختار لها زعم العصمة الكذوب [ الفرق بين الفرق 32  ]

إن المأمول من فضيلة الأستاذ المستشار أن يراجع كلامه ومواقفه في هذا الشأن، فإنما يرجع الفقيه عن القول إذا اتسع علمه كما نقل الإمام الذهبي في تاريخه الكبير عن عبد الله بن داوود.

       كم أداوي القلب قلَّت حيلتي        كلما داويت جرحا سال جرح         

 ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)         

 صدر عن جبهة علماء الأزهر في الثامن والعشرون من شهر رمضان المعظم 1429هـ الموافق 28من سبتمبر 2008م

.......

- نقلا عن موقع جبهة علماء الأزهر.