د. حسن العبيدي

الحمد لله الذي رفع من ذكر عباده المؤمنين، وأذل سيرة الكافرين، وأخزى سريرة المنافقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة وهداية للعالمين، وعلى آله وصحابته الهداة المهديين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإليك أرسل خطابي، وبك يزدان كلامي، ولك وحدك ينبض حرفي ووجداني، إليك .. وأنت تعزف لحن الهيبة والعِزّة، ومنك نستمد الإصرار والشّدة، جاهرت بالحقّ، ونطقت بالصدق، قذفك الباغون بسمومهم، وعووا صدى بإعلامهم، لهم منّا كل البراء، فنحن بِعنا لله الولاء، لن يحجبوا شمس عطائك، ولن يوقفوا زحف سنائك، فكلنا قرضاوي .. نفتق أفواههم بكبريائك.

عُرِف الشيخ الجليل (يوسف القرضاوي) بجهوده الكبيرة والجبارة في الميدان الإسلامي في (الدعوة والنصح والإرشاد والتأليف في المجالات الفقهية والثقافية والدعوية والإسلامية بشكل عام، وعمله في التآخي بين المسلمين والدعوة الى وحدة صفوفهم ونبذ فرقتهم، وتقديم يدّ العون لهم في كل مناسبة وقضية، والمشاركة في المحافل الدولية لإعلاء راية الإسلام، فضلا عن مواقفه الصريحة والجريئة من القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية، عرفناه عالما مجتهدا عاملا لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يهاب في الحق طغيان ظالم.

إنّ أمة تمتلك شيخا ومربيا فاضلا بهذه المنزلة لهي في خير عظيم، وبه تستطيع مجاوزة الظلم والاستبداد وشحذ الهمم وإيقاظ النفوس وشحن الجهود، بورك لنا فيك، وأثابك الله عز وجل وأطال في عمرك.

تابعنا بمرارة الردود غير الموضوعية التي قفزت إلى المشهد الإعلامي بما يخص تصريح الشيخ الجليل عن المدّ الشيعي في الدول الإسلامية، وكان أكثرها ألماً ما ورد على لسان بعض المفكرين الإسلاميين كالأستاذ (فهمي هويدي) والأستاذ (محمد سليم العوا) الذين نُكِنُ لهما كل الاحترام والثناء، ونلتمس لهما عذرا فقد غاب عنهما ما توفر لدى شيخنا الجلييل من معطيات ووقائع تثبت صحة التصريح، وهول التنبيه، وخطورة الوضع على الواقع الإسلامي، وأعلم يقينا أن الأستاذ هويدي وغيره ممن لم يعجبهم تصريح القرضاوي لو علموا حقيقة الأمر لتغيرت الكلمات، ولخجلت من الردّ المقالات.

وحسبي هنا أن أقدم للقارىء الكريم ميدانا واحدا من معطيات تصريح الشيخ الجليل، وإليكم بعضا من المشاهد المتضمنة مسيرة المد الشيعي في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في نيسان عام 2003.

حارب العراق إيران لمدة ثماني سنوات، وكان العراق آنذاك حارسا للبوابة الشرقية للأمة العربية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، واستطاع بحمد الله وقف مدّ الثورة الإيرانية للبلاد العربية، واستطاع أيضا تحجيم الدور الإيراني على الصعيد الدولي من خلال فضح الممارسات القمعية التي تقوم بها إيران.

ونتيجة لذلك كان يُطلق على منفذ شرق الوطن العربي (الخليج العربي)، وكانت العمائم تخجل من الظهور للعلن في البلاد العربية، وإن ظهرت فهي ذليلة وضيعة، وكانت مساجد السنة تزخر كل يوم بالدعاء والصلاة والتسبيح والإنابة وحفظ القرآن وتدريس سير الصحابة ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ وكانت الحملات الإيمانية على منهج رسول الله وصحابته الكرام في عموم العراق وربوعه على قدم وساق تعمل ليلا ونهارا بدعاتها ومصلحيها، بشبابها وشيوخها، بعلمائها ومريديها، متخذة من اللغة العربية لغة وحيدة للبلاد والعباد، والكل يهدف إلى خدمة الإسلام وإعلاء راية التوحيد بعيدا عن الشرك والبدع والأهواء والضلالات.

واليوم .. وحسبي الله ونعم الوكيل مما يجري اليوم، الخليج غدا (الخليج الفارسي)، وأصبحت العمائم تتجول في كل مكان انطلاقا من أعلى مكانة في الدولة ونزولا إلى الوظائف المتواضعة فيها، وأصبح لهؤلاء الكلمة الفصل في كل شيء، انطلاقا من أنهم ـ وكما يزعمون ـ ممثلون للإله !!، وناطقون باسم الدين ـ الذي هو منهم براء ـ وأقفلت مساجد السنة، وحُوّل بعضها إلى (حسينيات) لإقامة مراسيم العزاء واللطم، وأحرق قسم كبير منها، فقد وصل عدد مساجد السنة التي أُحرقت 200 مسجد، فضلا عن إحراق المصاحف والكتابة عليها (مُحرّف)، وهُدِمت قبور الصحابة الكرام واعتُدِي عليها بالسّب والشتائم، وتوفقت الدورات الدينية وتراجع التعليم في المساجد السنية حتى وصل الآن إلى التوقف كليا، واتُخِذت اللغة الفارسية في بعض دوائر الدولة الرسمية وفي الحسينيات، وفي الأسواق والمزارات، وأصبح بيع المخدرات بأنواعها القادمة من قم وطهران في محافظات العراقية الجنوبية شيئا عاديا، وانتشرت فرق الموت التي تقتل العوائل بكل أفرادها أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا على الهوية، وأصبح من يحمل اسم أبي بكر وعمر وطلحة ومعاوية وزيد .. إلخ أخطر ممن يحمل قنبلة نووية !!.

العراق اليوم عبارة عن (حسينية) كبيرة أمام أنظار العرب والمسلمين وتحت سمعهم وأبصارهم، (وألف مبروك عليكم يا عرب هذا التغيير !!؟؟) ... وأنا أعجب كل العجب من المفكرين الإسلاميين الذين أنكروا على الشيخ الجليل تصريحه، لماذا لم تنكروا أو تتنكروا لما فعله هؤلاء ببلد سني عربـي مسلـم !!.

أين كانت أصواتكم ومساجد السنة تحرق وتهان والمصاحف يعبث بها وتمزق وتلقى في دورات المياه، أين أنتم من تشيع العراقيين، أو قتل من يرفض ذلك، أين كنتم والمدائن البلدة العراقية السنية يُباد فيها أهل السنة والجماعة ويُقال لهم من (فرق الموت) جئنا نفتح المدائن بعد 1400 سنة، أين كنتم وبغداد تئن تحت سوط الغادرين حتى غُيرت معالمها ورُسمت بتركيبة سكانية جديدة للعجم، كل ذلك وأنتم صامتون ... لكن عندما جهر الشيخ بالحق أصبحتم أنتم المصلحون !!.

إن المنادة بوحدة الأمة الإسلامية مع وجود المدّ الشيعي وخطره، لهو جريرة سنحاسب عليها جميعا، وسنحصد نتائجها المخزية بما سيستقبل من الزمان، إن هذا المدّ لن يرحم أحدا يقف في وجهه إن استفحل داؤه، وغاب دواؤه، علينا كلنا أن نكون قرضاويين، نصدح بالحق ونعلي أصواتنا، ونشق جهرا آذان حكامنا، أن انتبهوا وتحصنوا فالمد الفارسي قادم، ولا تركنوا إلى المداراة والمداهنة فاللهب سيصيبكم شئتم أم أبيتم.

يا شيخنا الجليل .. يُقبِّل العراق يديك، وينحني إجلالا لصوتك، ويهيب فخرا بوجودك، ويدين لك بدعاء يرفعه وهو مظلوم إلى الباري عز وجل الذي لا تضيع ودائعه:

اللهم هؤلاء الفرس بغوا علينا، وأهانوا مصحفنا، وهدموا مساجدنا، وقتلوا أطفالنا، واعتدوا على أعراضنا، وسفكوا دماء شبابنا، واستباحوا حقدا كل مقدساتنا، اللهم فهيء لهم أصواتا تزلزل كيانهم كصوت القرضاوي، صوتا يُهوّن علينا مصائبنا ويداوي، ويخرس عنه كل من أراد النيل من شخصه، ويخزي كل من أراد تشويه منزلته.

اللهم آمين

.......

- نقلا عن موقع "كتابات".