د. طارق عبد الحليم

تربطني بالأخ الأكبر المستشار البشرى، أكثر من صلة تجعله قريباً إلى القلب والعقل، فصلة رحمٍ ترجع به وبي إلى جدنا الشيخ سليم البشري، وما يأتي معها من ذكريات قديمة تعود إلى السبعينيات حيث كنا نتحاور حول الإسلام والماركسية، ثم صلة الإهتمام المشترك بالعمل الإسلاميّ وبهموم الأمة. ولا أشك في أن المستشار البشرى قد أجاد في جلّ ما دوّن منذ أن إتخذ سبيل الله سبيلاً، ولا يحتاج احد لأن أعرّف بقدر البشري في تاريخنا الحديث كاتبا ومؤرخاَ ومفكراً.

ولكن الأمر هنا أجلّ من أن يمر مرّ الكرام، وأقصد به ما كتبه المستشار مؤخرا بصدد الفريّة الرافضية بحق الشيخ القرضاوى. وليس من المستغرب من أبو المجد أن يكتب ما كتب، وليس من المستهجن أن يصدر من سليم العوا أو من هويدي ما صدر من "نصائح" خائبة لا تصدر إلا عن جهل بطباع الرافضة وبتاريخهم وحاضرهم على السواء، ولكن أن يختط الأخ الكبير البشري هذا الخطّ من النظر إلى هذه القضية فهو ما لم أفهمه على الإطلاق.

فالمسألة الأولي التي طرحها المستشار تحدث فيها عن "المذهب الجعفريّ" وأنه مذهب معتبر بين المذاهب الفقهية الإسلامية، وفات المستشار البشري أن الحديث هنا حديثُ عن فرقة من الفرق البدعية لا عن مذهب من المذاهب الفقهية، ولهذا فإن الأمر أمر خلاف في العقيدة لا أمر خلاف في الفقه، خلاف في الأصول لا خلاف في الفروع، وشتّان بين الأمرين. ولا أعرف أين يقع تكفير الصحابة وسبّ عائشة أم المؤمنين ووصفها بأنها "البقرة" ولعن الشيخان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وإدعاء تحريف كتاب الله تعالي ، وإدعاء مقام الإمامة لأئمتهم الإثني عشرة وأنهم يعلمون الغيب ولا يموتون إلا بعلمهم ورضاهم ، أين يقع هذا في مذهب الجعفرية "الفقهيّ"!؟ ولا شك أنّ هذه الإدعاءات تُخرج الرافضة من دائرة الجماعة الإسلامية التي يتحدث عنها المستشار البشري إذ هم يخالفون ثوابت دينية ركينة عند المسلمين من أهل السنة المحمدية، ولا دخل له بتعدد الإجتهادات بحال من الأحوال، واين يقع ما ذكرنا من منكرات الرافضة من "الإجتهادات وتنوع النظر في الشؤون الجارية" التي أشار اليها المستشار البشري؟

ثم الأعجب هو ما ورد في المسألة الثالثة التي، وإن لم يقصد البشري إلى ذلك بالطبع، تكرّس مبدأ الفصل بين الدين والسياسة! إذ مؤداها أنه لأجل الظرف السياسيّ الحاليّ فإنه يجب أن نتغاضى عن هذه الثوابت العقدية الفاصلة، والتي لم يتغاضى عنها الرافضة لحظة واحدة في تاريخهم الأسود، بل كانوا ولا زالوا عوناً للمستعمر الغازى في كلّ زمان، ولا أظن أن المستشار البشرى، بل ومن هم أقل منه كثيرا في العلم بالتاريخ، ينكر دور الرافضة في سقوط بغداد الأول زمن التتار، وقتل الألوف المؤلفة من أهل السنة بسببهم وبعون منهم، ثم ما يحدث اليوم في العراق من اسئصال للسنة على أيدى المليشيات الرافضية الصفوية المدربة والمدعومة من إيران المجوس، بل حتى الصليبيين الأمريكيين يعرفون ذلك ويحاولون مقاومته! أفلا نعرف نحن ما يراد بنا، بل ألا نشعر بما يُفعل بنا على أرض الواقع؟

وأسأل الأخ الأكبر المستشار البشرى، هلا عَرَفَتْ الرافضة هذه الحقائق والمسائل فوقفت عند حدها، ألا تضع إعتباراً للشيخ القرضاوى الذي قربهم وكان فارس "التقريب" المزعوم على مرّ العقود الماضية، رغم خلافنا معه فيه منذ أول الطريق، فالرافضة لا أيمان لهم ولا ذمة بل هم كما وصفهم الإمام مالك "يكذبون" وبخاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بالسنة وأهلها تحت درع التقية التي رموا بها الإمام علي رضى الله عنه وهو منها براء. ولا أدرى ما هو موقع الأقلية والأغلبية في هذا الأمر؟ أيكون سبّ الصحابة أهون علينا لأننا أغلبية؟ متى كان هذا المعيار مبرراً للتهاون في العقيدة، وهل كان بن تيمية "قصير النظر" حين كتب كتابه "منهاج السنة" الذي فضح فيه دين الرافضة ومذاهبهم العقدية، رغم أنّهم كانوا أقلية حينذاك كذلك، وكان العالم السنيّ واقع تحت الإحتلال التتريّ كذلك؟ والرافضة يستغلون الجهل الأمريكي بالواقع الإسلاميّ لتعزيز مواقفهم ونشر مذاهبهم والسيطرة على العالم السنيّ وهم لا يخفون هذا الأمر بل يتحدثون عنه في إذاعاتهم وصحفهم ولا عليهم من السنة فهم ماضون في خططهم لا يلوون على شيء. ألم يلاحظ المستشار البشري وجود بؤر رافضية في عدد من الأحياء المصرية بالفعل؟ أيسمح النظام الصفوي في إيران المجوس أن ينشط السنة في بلادهم وأن ينشروا مذهبهم؟ وقد زرت طهران في عام 1996 وأقمت فيها ثلاثة شهور بتكليف من شركة إستشارية كندية تعمل في مجال الهندسة النووية، ورأيت بعيني رأسي ما يكتبون على جدران مبانيهم من لعن الشيخين وسبّ عائشة رضى الله عنها، فهل هذا ماضٍ غابر أم إنه حاضر سافر؟

وأخيراً، فإنني على ثقة من أن ما نشره المستشار البشرى لن يكون كلمته الأخيرة في هذا الشأن فأنا اعلمه رجّاعاً إلى الحق بإذن الله تعالى.

.......

- نقلا عن صحيفة المصريون.