صابر حسنين علام  

 حين تكون الحجة ضعيفة والمنطق غير متسق مع القضية المطروحة يلجأ بعض حواة الكلام لحيل غوغائية بهدف تشتيت ذهن القارئ عن الموضوع الأصلي المطلوب مناقشته وذلك بخلق حالة من الهياج والجلبة وطرح قضايا تدغدغ مشاعر الناس بغية الانحراف بالحديث بعيدا عن ما هو مطروح ... مثل تلك الحيل لا تستطيع إلا أن تصفها ... بالنشل الفكري.

الشيخ القرضاوي تطرق لقضية (تشييع السنة) القائمة على قدم وساق الآن في البلدان العربية أو تحديدا في مصر ... فأنبري له البعض وكأنهم يردون عليه ... وفي الحقيقة لم يردوا ولو بكلمة واحدة على القضية التي طرحها ... واحد خرج علينا بـ أخطأت يا مولانا .. والطائفة أو الأمة .. وآخر بـ تفشت الفاشية ... وكلاهما لم يتعرض للقضية من قريب أو بعيد ... وهم يجرون القارئ نحو قضايا محورية فعلا مثل التصدي للمخططات الأمريكية والأطماع الإسرائيلية في المنطقة (ويتناسون عن عمد وقصد الأطماع الإيرانية) .. ولكنها ليست القضية التي طرحها القرضاوي.

بعد المقاومة العنيدة التي أبداها حزب في الله أمام آلة الحرب الإسرائيلية والتأييد الواسع للحزب من الجماهير العربية المتعطشة لأي انتصار معنوي ... تم استثمار هذا الصمود بتصويره بصورة آخري وكأن الحزب أقتطع وأحتل أراضي إسرائيلية أو أن القادة الإسرائيليون أسرعوا بتوقيع وثيقة استسلام .. ومع الجلبة والطبل والزمر تبدوا الحفلة وكأنها تعكس شيئا حقيقا ... مع أن الأمر معروف للجميع ... ومع حالة النشوة والفرحة الغامرة وفورة المشاعر الوطنية تم استثمار هذه المشاعر لتشييع اكبر عدد من الجماهير العربية السنية علي اعتبار أن من صمد هم الشيعة .. وأن الفكر الشيعي هو القادر على مقارعة إسرائيل بل وأمريكا ... وظلت دائرة التشييع تتسع وتتسع في بلاد السنة ... وكان لابد من صوت قوي يتصدي لهذا النهج .. فكانت صيحة القرضاوي.

ولكن بعض من كتابنا ردوا علي الشيخ بالتخويف بالفتنة .. وأن الأجدى الآن هو توحيد الصف ضد الأطماع الغربية وإسرائيل ... وهو كلام في ظاهره الغيرة علي الأمة .. وفي باطنه التشويش علي صيحة الرجل بقضايا تشغل بال القراء وتلهيهم عن دعوة الشيخ .

والسؤال هو لماذا اختار كتابنا الأفاضل هذا النهج الغريب .. لا أقول لماذا يردوا على الشيخ ... ولكني أتساءل لماذا يتجاهلون قضية تشييع السنة .. ما هو معني هذا الصمت المريب في موضوع التشييع .. ولماذا التشويش علي طرح القضية وتغليب قضايا آخري.

إن الصمت وعدم التعليق علي قضية خطيرة مثل "تشييع السنة" له دلالة مقلقة .. لم يقل احد أن احدا من مفكرينا الذين نعنيهم في هذا المقال – قام بالدعوة إلي التشيع – ولكن عدم التصدي لهذا الأمر يشير من طرف آخر ، أن هناك حالة من عدم الاعتراض علي هذا السلوك ... بل ويجوز القول ...... والرضا.

وإلا فما هو تفسير الهجوم على الشيخ على هذا النحو ، وتناسي جوهر ما طرحه والكلام عن مثلث القوة في المنطقة (مصر وتركيا وإيران) وضرورة الاصطفاف ... وتركيب سياق مصطنع ومتعمد ليكون حصاده أن تجد نفسك فيه فجأة أمام إسرائيل وأطماعها ... أليس ذلك بالضبط هو الفكر التلفيقي ...

الملف هو "تشييع السنة .." نحن نعرف على وجه اليقين أن ما يسمي بإسرائيل – عصابة - اغتصبت دولة فلسطين ، ونعرف أيضا أن الولايات المتحدة دولة لها أطماع لا حصر لها في منطقتنا الغنية بالبترول ولسنا بحاجة لمن يذكرنا بذلك ... ولكن موضوعنا هو التشييع الجاري أمام كل العيون فلماذا الانحراف ... ولماذا هذه الحمية والغيرة والهياج وتذكر الاصطفاف والوحدة حينما يتعلق الأمر بدولة بعينها التي يتم تصويرها وكأنها مكة .

نعود إلي مفكرينا وكتابنا ونسألهم الم يكن واضحا لكم ضعف وهشاشة الموقف الإيراني .. تطلبون أن نصطف ... نصطف مع من ؟ ... مع دولة أصبح في حكم المؤكد ضربها ، مع دولة تجري بمعدل كل شهر مناورة عسكرية طبعا ليس لترهيب الولايات المتحدة أو باكستان أو تركيا بل لأخافه جيرانها العرب بالتحديد – الغريب أن هناك كاتب آخر يذكرنا بستينات القرن الماضي وكأنه يحثنا على توتير العلاقة مع الدول العربية لصالح إيران .. وذلك فيما يتعلق بالدعوة إلي الاصطفاف ... ونعود إلي الموقف من التشييع .. ونسأل هل بعد كل ذلك يمكن غض الطرف عن هذه الدعوة ... وهل غض الطرف في هذه الحالة يعد من باب التسامح والتغاضي أم نقول انه تقصير منهم ... ولا نريد أن نذهب أكثر من ذلك .

......

- نقلا عن صحيفة المصريون.