السيد زهرة

التصريحات التي أدلى بها الشيخ يوسف القرضاوي إلى صحيفة «المصري اليوم« المصرية وتحدث فيها عما اعتبره اختراقا أو غزوا شيعيا إيرانيا للدول العربية السنية، أثارت ضجة كبرى لم تهدأ حتى اليوم. سيل لا ينتهي من التعليقات والمقالات تحفل بها أجهزة الإعلام العربية كل يوم تتناول هذه التصريحات.. فيها العاقل وفيها غير العاقل.. فيها المهذب وفيها المتطاول.. فيها المنصف وفيها المتجني. بل امتد هذا الجدل إلى أجهزة الاعلام في الغرب. ففي الأيام الماضية قرأنا عددا كبيرا من المقالات نشرتها الصحف الغربية تتناول القضية. المسألة المهمة التي يجب ان تلفت نظرنا بداية، وقبل أي حديث عن القضية، هي ان هذه الضجة التي أثارتها التصريحات، وهذا «العنف« الذي اتسم به الجدل حولها، هو بحد ذاته مؤشر إلى حالة الاحتقان الطائفي التي نعيشها في المنطقة، والاستقطاب الحاد في الآراء والمواقف والمشاعر ايضا الذي وصلنا إليه.

هذه الحالة تشير إلى ان خطر الفتنة الطائفية المفتوحة والواسعة هو خطر حقيقي ماثل، وكما ظهر من هذا الجدال العنيف الذي تفجر، فإن الكثيرين مستعدون لان يشمروا عن سواعدهم ويشاركوا في اشعال نيران الفتنة. ولا أحسب ان أحدا من أي طائفة أو دين يريد لنا لا قدر الله ان نصل إلى هذا الحال في المنطقة. ولهذا .. وكي لا تكون فتنة، من المهم جدا ان نضع هذا الجدل الذي تفجر حول تصريحات الشيخ القرضاوي في اطاره وسياقه الصحيح، علّنا نصل معا إلى رؤية لما ينبغي عمله لاحتواء هذا الاحتقان الطائفي. } } } إساءة وتطاول بداية، حين تحدث الشيخ القرضاوي في الحديث الصحفي، وأيضا في البيانات التي أصدرها لاحقا، عما اعتبر انه غزو شيعي إيراني للدول السنية العربية، واعتبر ان هذا خطر يجب التحذير منه، عبر عن رأي وموقف، وهذا حقه بالطبع. لم يتطاول ولم يسئ إلى أحد. وحين رد عليه آية الله التسخيري والشيخ فضل الله، ردا عليه أيضا في حدود التعبير عن رأي وموقف مضاد لما قاله الشيخ من دون اساءة أو تطاول. لكن وكالة الأنباء الايرانية «مهر« تطاولت على الشيخ وأساءت إليه أيما اساءة. ليس هذا فحسب، بل انها أساءت صراحة إلى كل السنة. يكفي ان نذكر ان الوكالة الايرانية وصفت الشيخ الجليل بـ «النفاق والدجل« وبـ «العصبية الجاهلية« وبأنه «تفوه بكلمات بذيئة«، واتهمته بـ «بث الفرقة بين المسلمين«، و«بالتحدث نيابة عن زعماء الماسونية العالمية والحاخامات اليهود«. الشيخ يوسف القرضاوي رمز كبير من رموز لا نقول السنة وحسب، وإنما العالم الإسلامي كله. دوره مشهود له في الدفاع عن قضايا المسلمين وكل الدول الإسلامية، ليس في العالم الإسلامي وحده وانما في كل العالم. ويكفي، لمن يتابع ويقرأ، ان يلقي ولو نظرة سريعة عابرة عما يكتب عن الشيخ في الغرب والحملات التي يشنونها ضده ليعرف أي دور يلعبه وأي تأثير يتركه. بطبيعة الحال، من حق أي احد ان يختلف مع قليل أو كثير من أفكار وآراء ومواقف الشيخ القرضاوي وان يعبر عن اختلافاته هذه. لكن ليس من حق احد ان يتطاول عليه، وان يسيء الأدب عند الحديث عنه كما فعلت الوكالة الايرانية. وينطبق هذا بداهة على كل علماء الشيعة الأجلاء. فلا يمكن قبول ان يتطاول عليهم أو يسيء إليهم احد لأنه يرفض مواقفهم. والوكالة لم تكتف بالاساءة إلى القرضاوي بهذا الشكل، وانما تعمدت الاساءة إلى كل السنة وبشكل معيب لابد ان يكون مستهجنا. الوكالة تحدثت عن «بطولات أبناء الشيعة في جنوب لبنان« وعن الانتصار الذي حققته المقاومة على العدو الصهيوني، وتقارن هذا بالهزائم التي مني بها العرب كما حدث في نكسة 67، حيث «هرب الجنرالات العرب في العريش وشرم الشيخ وسيناء من ميادين القتال« كما قالت. ما تقوله الوكالة واضح ان السنة يهربون أمام العدو، والشيعة يحققون الانتصارات. لسنا في معرض الرد على هذا الكلام وتفنيده، لكن نكتفي بالقول إن هذا كلام طائفي عنصري قبيح معيب ويمثل كما قلت اهانة لكل السنة. بل ان هذا الكلام يمثل اساءة للسيد حسن نصرالله والمقاومة اللبنانية. لم يقل السيد حسن نصرالله في يوم من الأيام ولا في مرة من المرات ان الانجاز والنصر الذي حققته المقاومة هو نصر شيعي يحسب للشيعة وحدهم. خطابه ركز باستمرار على ان هذا انجاز عربي إسلامي عام. ومن هذا المنطلق تحديدا كان التأييد الشعبي العربي للمقاومة وللسيد حسن نصرالله. لم يكن تأييدا للشيعة كما تقول الوكالة صراحة، وانما تأييد للمقاومة الإسلامية كقيمة وانجاز عربي وإسلامي.

ذكرنا هذا الذي قالته الوكالة الايرانية لاننا لاحظنا من متابعاتنا للانتقادات التي وجهت للشيخ القرضاوي انه من الواضح ان أغلب من وجهوا هذه الانتقادات لم يقرأوا ما كتبته الوكالة. } } } هل أصاب الشيخ أم اخطأ؟ في كل هذا الجدل الذي دار حول ما قاله الشيخ القرضاوي، لاحظنا انه سواء الذين انتقدوه أو الذين دافعوا عنه، بنوا مواقفهم على الحديث عن قضايا عامة مثل، هل يخدم هذا الوحدة الإسلامية أم لا؟ وهل يجوز ان يقال كلام مثل هذا في هذا الوقت الذي تواجه فيه الأمة أعداء وتحديات؟ وما شابه ذلك. لكن ثمة سؤال أساسي يجب ان يسبق كل هذا. } هل كان الشيخ مصيبا وعلى حق فيما ذهب إليه أم لا؟ نتحدث هنا بالطبع عن القضية الأساسية التي أثارها الشيخ في تصريحاته وفي بياناته اللاحقة، قضية الاختراق أو الغزو الشيعي الإيراني للمجتمعات العربية السنية. } هل ما قاله الشيخ هنا صحيح ام لا؟ نقول بلا تردد : نعم.. صحيح مائة بالمائة. الكل يعلم ان هذه القضية مثارة منذ سنوات، وسبق ان أثارها القرضاوي نفسه في الحوار أو المناظرة التي جرت بينه وبين رافسنجاني. حقيقة الأمر ان تقارير كثيرة جدا، كلها منشورة تشير إلى حركة إيرانية واسعة النطاق لنشر التشيع بتمويل من إيران تمتد إلى دول عربية سنية كثيرة. من سوريا إلى فلسطين إلى مصر إلى السودان إلى دول المغرب العربي.. الخ. لدي شخصيا تقارير كثيرة حول هذه القضية، لكن لاننا لا نريد ان تتسع شقة الخلاف ونريد احتواء الاحتقان الحالي، نحجم حاليا عن نشرها. ولماذا نذهب بعيدا؟ مسئولون ايرانيون اعترفوا بهذا. الوكالة الإيرانية نفسها فيما كتبته اعترفت بهذا. كل ما في الأمر انهم يعتبرون من وجهة نظرهم ان هذا «تطور طبيعي« وانه جزء من المد الشيعي وما يعتبرون انه وعي جديد في المنطقة بالمذهب الشيعي. أعلم ان البعض سوف يقول: وما هي المشكلة هنا بالضبط؟ أليس من حق أي مسلم ان يصبح شيعيا أو سنيا كما يشاء؟ طبعا. من حق أي مسلم هذا. المشكلة ان حركة التشييع الإيرانية في المجتمعات العربية السنية مرتبطة بأجندة سياسية محددة. بعبارة أدق، هي مرتبطة بمشروع إيراني سياسي يطمع في ان يلعب دورا مهيمنا في منطقة الخليج العربي أولا، ومن ثم في باقي المنطقة العربية. بعبارة ثانية، فإن حركة التشييع الإيرانية هذه هدفها الجوهري هو ان تخلق قوى موالية لها وتدافع عن مشروعها السياسي في المجتمعات العربية وتروج لأجندتها. وقد كان الشيخ القرضاوي واضحا هنا. وضع القضية في هذا السياق بالضبط. قال في الرسالة الأخيرة التي نشرها منذ أيام: «الخطر في نشر التشيع ان وراءه دولة لها أهدافها الاستراتيجية، وهي تسعى إلى توظيف الدين والمذهب لتحقيق أهداف التوسع ومد مناطق النفوذ، حيث تصبح الأقليات التي تأسست عبر السنين اذرعا وقواعد ايرانية فاعلة لتوتير العلاقات بين العرب وإيران، وصالحة لخدمة التوسع القومي لإيران«. وقال انهم لهذا، رسموا الخطط ورصدوا الاموال وأعدوا لها الرجال وأنشأوا لها المؤسسات. وهذا في تقديرنا توصيف دقيق تماما للقضية. أعلم ان البعض سوف يقول: وما هي المشكلة هنا أيضا؟ أليست هذه هي السياسة ولعبة النفوذ؟.. أليس من المشروع ان تلجأ أي دولة لديها مشروع سياسي إلى ان تستخدم كل ما تملكه من وسائل وأساليب أيا كانت، بما في ذلك نشر التشيع في حالة ايران، كي تحقق أهدافها؟ ونقول هنا: نعم.. هذا مشروع وحق لأي دولة، ومن حق إيران بالتالي.

نعم.. من حق إيران أن تلجأ لأي أساليب وان تخصص الأموال لنشر التشيع وغير ذلك من أساليب. لكن بالمقابل، من حقنا أيضا ان نرفض هذا المشروع وان نحذر من مخاطره طالما اننا نعتبر أنه خطر على مصالحنا. بنفس هذا المنطق، كما نقول باستمرار، من حق إيران مثلا ان تتطلع إلى الهيمنة على مقدرات منطقة الخليج من منطلقات قومية فارسية. لكن من حقنا ان نرفض مساعي وأطماع الهيمنة هذه وان نقاومها، وان ندافع عما نعتبر انها مصالح أوطاننا ومجتمعاتنا وقوميتنا العربية. هو في الحقيقة ليس حقا لنا وحسب، بل هو واجب سوف نكون مقصرين لو لم نؤده. والأمر إذن، ان الشيخ القرضاوي حين تحدث عن خطر التشييع الإيراني، لم يختلق أولا خطرا غير موجود. وثانيا مارس حقا، بل أدى واجبا ازاء ما يعتبره خطرا يهددا مجتمعاتنا العربية. } } } .. وماذا أيضا؟ غير الانتقادات التي وجهها الاخوة الشيعة إلى ما قاله الشيخ القرضاوي، الملفت في هذه القضية ان بعض الأساتذة المرموقين المعروفين من السنة انتقدوه أيضا. نتحدث هنا عن أساتذة كبار من أمثال طارق البشري وسليم العوا وفهمي هويدي وأحمد كمال أبوالمجد. ليس في هذا في حد ذاته شيء غريب. بل هو من حيث المبدأ أمر طيب جدا. أعني من زاوية ان الرأي أو الموقف يجب ان يستند إلى ما يعتبره الكاتب مصلحة عامة، بغض النظر عن الانتماء الطائفي. ومع هذا، فإنني وقد قرأت ما كتبه هؤلاء الأساتذة في انتقاد ما قاله القرضاوي، وجدت فيه تحاملا على الشيخ، ولم أجد فيه مبررات مقبولة كثيرة، واستشعرت بصراحة جوانب غير مفهومة في هذه الانتقادات. وعلى أية حال، وبغض النظر عن تفاصيل ما كتب وما قيل انتقادا للقرضاوي سواء من الشيعة أو من السنة، فإن مآخذهم تدور حول نقطتين أساسيتين: الأولى: اعتبار ان ما قاله القرضاوي في القضية التي أثارها يعمق الخلافات الطائفية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى احتواء هذه الخلافات، وانه من المفروض ان يتركز الاهتمام على الوحدة الإسلامية. والثانية: ان مثل هذا الحديث واثارة هذه القضية يصرف الأنظار عن الأخطار والتهديدات التي تواجه الأمة الإسلامية من أعدائها من الصهاينة وغيرهم، وان المطلوب هو التركيز على هذه الأخطار وعلى تكوين جبهة موحدة تضم العرب وإيران في مواجهتها. ومبدئيا لا خلاف اطلاقا على الأمرين معا.. لا خلاف على اننا بحاجة إلى توحيد الصفوف وان نكون جبهة واحدة، وإلى الانتباه إلى الأخطار التي تهددنا جميعا في العالم الإسلامي، سنة وشيعة. لكن المشكلة بداية، ان ما تفعله ايران، سواء في العراق، أو عبر حركة نشر التشيع، أو بنواياها المعلنة في السعي إلى دور مهيمن.. كل هذا لا يشير في جوهره إلى رغبة حقيقية في توحيد الصفوف، ولا في تجاوز الحالة الطائفية. والقضية الجوهرية هنا بالإضافة إلى هذا، انه كي نكون جبهة واحدة وكي نركز جميعا على الأخطار التي تتهدد الأمة، فمن المستحيل ان يحدث هذا إلا إذا كان هناك حد من الاتفاق والتوافق العام. وكي يحدث هذا الاتفاق أو التوافق، لابد ان نتصارح بالخلافات بيننا، وان يعبر كل طرف عن مآخذه وانتقاداته أيا كانت، ويرد عليه الطرف الآخر بما لديه.

من دون هذا، لا يمكن بداهة ان نحتوي هذه الخلافات، ولا ان نصل بالتالي إلى اتفاق أو توافق، ونركز بالتالي معا على الأخطار التي تتهدد الامة. وهذا بالضبط هو ما فعله الشيخ القرضاوي . أثار قضية هي في تقديره موضع خلاف كبير مع إيران، وهي موضع انشغال وقلق كبيرين ليس منه فقط وانما من قطاعات كبيرة في المجتمعات العربية. وكما قلنا، ليست هذه هي المرة الأولى التي تثار فيها القضية. وطالما انها أثيرت على هذا النطاق الواسع، فلابد ان تناقش بوضوح وصراحة . أما الدعوة إلى «اغلاق ملف القضية فورا ونهائيا« كما قال الدكتور كمال أبوالمجد، فليست في موضعها ولا هي تخدم أي هدف أو غاية توحيدية. وما الذي يمكن ان يفيده اغلاق ملف القضية، وتبقى الخلافات الحادة قائمة، ويبقى الاحتقان قائما كما هو؟ } } } الأزمة .. سياسية في كل الأحوال، يبقى كما قلت في البداية: ان هذه الازمة التي تفجرت يجب ان توضع في سياقها الصحيح. وسياقها الصحيح ببساطة ان هذه أزمة سياسية وليست أبدا أزمة طائفية.. هذا الاحتقان أو الخلاف السني الشيعي الذي تفجر لا يعبر عن أزمة طائفية، وانما هو في سياق أزمة سياسية. نعلم جميعا ان الخلاف السني الشيعي موجود طوال التاريخ الإسلامي. وعبر التاريخ تعايش السنة والشيعة، ولم يحدث ان تحول الخلاف إلى صراع مفتوح. وقد لاحظ الدكتور جوان كول مثلا، وهو أستاذ التاريخ في جامعة ميتشجان الأمريكية ان هذه الخلافات بين السنة والشيعة لم يحدث طوال التاريخ الإسلامي ان تحولت إلى صراعات أو حروب دينية مثلما حدث في أوروبا. ولاحظ ان هذه القضية لم تكن مثارة مثلا بأي قدر من الإلحاح في العالم العربي في فترة المد القومي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ويقول كول أيضا: صحيح ان دولا سنية وشيعية تحاربت في فترات من التاريخ مثلما حدث بين الامبراطورية العثمانية والدولة الصفوية، ومثلما حدث في الحرب العراقية الإيرانية. لكن هذه الحروب لم تكن لأسباب طائفية دينية، لكنها كانت حروبا سياسية من أجل القوة والسلطة والنفوذ. واليوم ايضا كما نقول، فإن هذا الصراع الذي تفجر لم يتفجر لأسباب طائفية دينية وانما لأسباب سياسية. والكل يعلم، كيف بدأ هذا الصراع ولماذا وكيف تطور. بدأ مع الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق. الاحتلال هو الذي اطلق، وعن عمد وتخطيط، الصراع الطائفي في العراق على النحو الدموي الذي يعرفه الجميع، وفي اطار استراتيجية أمريكا في العراق وفي المنطقة كلها. وإيران تتحمل مسئولية أساسية في هذا الصراع الطائفي في العراق. ولن نتحدث هنا بأي تفصيل عن الدور الايراني في العراق، فقد سبق لنا وناقشناه في مقالات ومحاضرات كثيرة.

نكتفي ان نقول هنا ان الدور الايراني إما مباشرة وإما عبر الميليشيات الطائفية التي رعتها في العراق كان أساسيا ورهيبا في حملة الاضطهاد والتصفيات الدموية والتطهير التي تعرض لها السنة في العراق. وحقائق هذا الدور لم تتكشف كلها بعد. وإيران اعتبرت كما قلنا ان هذا البعد الطائفي سواء في العراق أو في المنطقة هو احد أبعاد مشروعها الساعي للهيمنة. لهذا كان غريبا جدا ان يخرج مفكر بوزن طارق البشري ويتحدث عما أسماه بـ «فاشية« باسم السنة تمارس ضد الشيعة في معرض انتقاده لما قاله الشيخ القرضاوي. ان كانت مجرد تصريحات مثل التي قالها القرضاوي هي «فاشية باسم السنة« فماذا يمكن ان نطلق على ما فعلته إيران في العراق باسم الشيعة؟ وإذا كان البشري يرى تبريرا لموقفه ان «السنة الذين يشكلون بموجب حجم الغالبية ووزنها المسئولية الأكبر في حفظ وحدة الجماعة«، فإن إيران بحكم دورها في تفجير هذا الصراع، تتحمل اليوم المسئولية الأساسية في احتواء الصراع الطائفي ووأد الفتنة. خلاصة الأمر إذن، ان هذا الاحتقان الطائفي الذي كشفت عنه تصريحات الشيخ القرضاوي وما أثارته من ردود أفعال، هو تعبير عن صراع سياسي لا صراع طائفي ديني كما ذكرنا. ولهذا السبب تحديدا فإن احتواءه والحيلوة دون ان يتحول إلى فتنة اوسع، يحتاج في المقام الأول إلى حوار سياسي صريح ومباشر بين العرب وإيران. هذا من دون التقليل من دور علماء ورجال الدين أو دور الاعلام. وهذا أمر يحتاج إلى نقاش موسع حول شروط هذا الحوار وكيف يمكن ان ينجح. يبقى ان هذا الذي ذكرناه عزيزي القارئ لم يكن مقصودا به الدفاع عن الشيخ القرضاوي، فهو أقدر على الدفاع عن نفسه وهو يفعل هذا. لكننا أردنا ان نضع القضية في اطار ما نظن انها الحقيقة والسياق الصحيح لها.