إبراهيم الشيخ

قد تكون مشكلة العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي، أنّه لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يداهن ولا يجامل، فبالتالي لا يمكن لأي من أنواع الابتزاز والضغوط والهجوم الشخصي والسب والردح أن تحرّك فيه ولا شعرة، هذا تاريخه ومن لا يعرفه فليقرأ عنه، قبل أن يهرف بما لا يعرف. إيران الفارسية، أقامت الدنيا ولم تُقعدها، بعد تصريحات سماحة الشيخ التي لم تأت بجديد، سوى أنّه صعّد في لهجته هذه المرّة مهدداً؛ بسبب تجاوزات نظام الملالي، الذي يُريد أن يجعل من قضية «نشر التشيّع في العالم العربي وبعض الدول الإسلامية، الآسيوية منها والإفريقية«، هولوكوست آخر، ومنطقة محرّمة، يحظُر التحدث عنها، ولا التعليق عليها، وكل من يتصدّى لها من أمثال الشيخ القرضاوي، فسوف تناله السهام الطائشة، وسوف تُفتح عليه المياه الآسنة،

وأعني بها وكالة مهر الإيرانية، التي تتولّى الردود الرسمية الإيرانية في صورتها الأولى، ثم يتم الاعتذار عنها، لمن طالَهُ الشتم والقدح منها! لم آت بذلك الكلام من عندي، ففي اليومين الماضيين، في الدوحة، وأثناء مؤتمر القدس العالمي السادس، تقدّم الوفد الإيراني باعتذار رسمي للشيخ القرضاوي، وكما تذكر صحيفة الوطن السعودية: «إن الوفد الإيراني ضم كلاً من مستشار القائد الأعلى علي أكبر ولايتي، ووزير الداخلية السابق علي أكبر محتشمي، والمستشار الثقافي بالخارجية الإيرانية عباس خامة، والسفير الإيراني بالدوحة محمد طاهر رباني«.

وذكرت الصحيفة أنّه: «حرص الوفد على التأكيد للشيخ القرضاوي أن وكالة أنباء مهر ليست وكالة رسمية تعبر عن إيران ولا تستحق الرد« بحسب وصف الوفد، وسبق اتهامها بالعمالة للصهيونية! إنّ من مصائبنا التي ابتلينا بها، هي «الفهلوة« في تفسير المواقف، وهو بالضبط ما تعرّض له الشيخ القرضاوي، فهو لم يقل كلاما جديداً، لكنّه تجرّأ ودخل إلى منطقة محرّمة وهي «هولوكوست تشييع المناطق السنيّة«، حيث تخشى إيران أن يتطوّر الموضوع وينفضح بصورة أكبر. الشيخ القرضاوي تحدّث عن إيران كدولة وكنظام سياسي، ولم يطعن في المذهب الشيعي كمذهب، تكلّم عن إيران الدولة السياسية التي تريد فرض نفوذها المذهبي على العالم العربي والإسلامي بالقوة، ومن يريد أن يتأكد فليبحث عما يحدث في افريقيا وفي مصر والجزائر والمغرب وفي اندونيسيا، وهذا الأمر لم يعد خافياً، فكتاب الخطة الخمسينية الإيرانية لنشر التشيّع، كتاب قديم، قرأته قبل 10 سنوات تقريباً، مدعماً بالوثائق التفصيلية، وليس حديث اليوم أو الأمس، فلماذا التحاذق، والتظاهر بأن الموضوع غريب ومُستنكر! لمن لم يقرأ عن الشيخ القرضاوي وعن مواقفه المشهودة، أذكّره بأنّ الشيخ هو من دافع عن حزب الله وعن مقاومته، كما لم يدافع أحدٌ غيرُه، حتى من الاخوة الشيعة أنفسهم، وقال عنهم كلاماً اعترض عليه حتى بعض مشايخ الطائفة السنيّة، لكنّهُ قاله لأنّه متيقن، أن جهود الحزب في تحرير لبنان، كان منطلقاً من همٍ إسلامي عربي.

الشيخ القرضاوي، لمن لا يريد أن يفهم، هو أوّل من وقف ضد التهديد الأمريكي ضد إيران، بل حثّ دول المنطقة على الدفاع عنها والوقوف معها، لأنّه يؤمن بأنّها دولة جارة ومسلمة، لكن ذلك الجار وللأسف لم يتوقف يوماً ما، عن تحويل «تقية المذهب« إلى «تقية سياسية«، ضد البحرين حيناً، وضد الإمارات حيناً أخرى، وفي سلوك سياسي متعدّد الأوجه، في العراق وسوريا ولبنان أحياناً كثيرة! وليتفكّر قليلاً من في قلبه مرض، لو كان الشيخ يبغضُ إيران الجارة المسلمة، هل سيقف ذلك الموقف، وهو صاحب الرأي المسموع بين ملايين المسلمين! الشيخ القرضاوي لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُعلن فيها ذلك الرأي، فقد أعلنها من قبل عشرات المرات، عبر مؤتمرات وحوارات مُغلقة - كما طالبه بذلك البعض-، وعبر مقابلته المشهورة في قناة الجزيرة الفضائية مع رفسنجاني، لكنّ القوم رفضوا ومازالوا يرفضون الاستماع إلى حديث العقلاء، وإلى تنبيه العلماء، فهل تريدون من الشيخ أن يصمت!

الشيخ القرضاوي، ورغم الاعتذار الإيراني الأخير في الدوحة، ظلّ وفيّاً لعلمه ومنهجه ورأيه، وهي الرسالة التي وجّهها للوفد الذي اعتذر منه مؤخراً، حيث جاء في نفس الخبر: «ردّ القرضاوي بالشكر مؤكداً أن الملف لن يُغلق قبل توقف المد الشيعي والكف عن سب الصحابة«، والسبب واضح، وهو أن التصريحات التي أطلقها الشيخ لم تكن زلّة لسان، بل كانت تنبيها يجب أن ترعوي له الدولة الإيرانية. لمن لم يفهم، فقط راجع خطابات الشيخ الوحدوية، لتتيقّن أن دعوته تلك لم تخرج عنها قيد أنملة. وما يؤسف له هو الردود المتحاملة التي قَرَأت وجهاً واحداً فقط من تصريحات الشيخ القرضاوي، ولم تقرأه كاملاً وفق رؤية متكاملة.

كلٌ يؤخذ من كلامه ويردّ إلاّ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلّم، وقد يُخطئ الشيخ ويصيب، لكنّه هذه المرّة لم يأت بجديد، غير أنّ الإرهاب الفكري الذي يريد البعض ممارسته على كل نقد يطال النفوذ الإيراني في المنطقة، مازال موغلاً في توظيف المذهب ونشره، في سبيل تحقيق الهيمنة، من دون مراعاة لمشاعر الوحدة. إن أبناء المذهب الجعفري، هم كأبناء المذهب السنّي، حيث مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام، خرج من معين النبوّة، كما خرج غيره من المذاهب الإسلامية، لكن تشويه المذهب، والصعود عليه لتحقيق أهداف سياسية لا تخفى على ذي لب، هو محور حديث الشيخ القرضاوي.

وأخيراً: ماذا تقول لمن لا يريد أن يفهم، وبادر بالمسارعة الى الدفاع عن الموقف الإيراني من دون رويّة، وقد فَضح نفسه، وها هي إيران تعتذر للشيخ القرضاوي، لأنّها علمت أنّها أشعلت نار «الهولوكوست« كما يفعل الصهاينة، لتخويف الشيخ عن قول ما يؤمن به، وتحرّكت لإرهابه وتخويفه كما تفعل مع أمريكا ومع غيرها من دول العالم، وما علِمت أن هامة العلماء الربّانيين لن تُطال بتهديد ولا سبّ، لأنّها ستظلّ شامخةً سامقةً أبد الدهر، حفظك الله يا شيخنا القرضاوي.

.........

- نقلا عن صحيفة أخبار الخليج.