د. أحمد بن عثمان التويجري*

 الإخوة الكرام الدكتور أحمد كمال أبو المجد والأستاذ طارق البشري و الدكتور محمد سليم العوا والأستاذ فهمي هويدي حفظكم الله أجمعين.

تحية مودة وتقدير ، وأسأل الله عزّ وجلّ أن تبلغكم هذه الرسالة وأنتم في الحال التي أحبها لكم من الصحة والسعادة والتوفيق والرعاية من الله عزّ وجل إنه سميع مجيب.

 أيها الإخوة الأكارم ... لقد تابعت باهتمام شديد (وإن كان في وقت متأخر وللأسف الشديد لأسباب خاصة) ما نشر من كتاباتكم وتعليقاتكم حول ما عبر عنه العالم الرباني الموسوعي صاحب الفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي من امتعاض من الممارسات غير المشروعة التي تقوم بها بعض الهيئات الشيعية الإثناعشرية في الأوساط السنية بهدف نشر المذهب الإثناعشري. وقٌد أذهلتني مواقفكم من ما قاله فضيلة الشيخ ، ولولا تواتر نشرها وتأكيد نسبتها إليكم لما صدقت أنها صادرة عن أي منكم. ولأن تلك الكتابات والتعليقات قد شاعت بين الناس وانتشر أثرها فإنني أستميحكم جميعاً العذر في أن تكون رسالتي إليكم من خلال الوسائل العامة كذلك.

أولاً : لقد أجمعتم كلكم أو كدتم تجمعون حفظكم الله على أن ما عبر عنه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي من امتعاض من الممارسات المشار إليها كان الأولى أن يكون في الدوائر المغلقة وليس على الملأ . وقبل أن أناقش هذه المسألة ، أجد أن من واجبي أن أتوجه إليكم جميعاً بالسؤال المشروع الذي لا يساورني شك في أنه دار في خلد كل من اطلع على ما نشرتموه في هذا الشأن ، وهو ما الذي منعكم جميعاً حفظكم الله من الالتزام بمنهجكم الذي بنيتم استنكاركم ما فعله الشيخ على أساسه ؟ ، ولماذا لم تقصروا نصحكم حفظكم الله الذي وجهتموه إلى الشيخ على الدوائر الخاصة أيضاً ؟ ، بل لماذا لم تقصروه على الدائرة المباشرة بين كل واحد منكم وبينه ؟ ، خاصة وأنكم جميعاً من تلاميذ فضيلة الشيخ ومن أقرب المقربين إليه. وما الفائدة المرجوه من نشر ما نشرتموه سوى تعميق المشكلة إن كانت هناك مشكلة حقيقية أصلاً في ما قاله ، وهل أنتم راضون عن الطرق الرخيصة التي وظفت بها كتاباتكم وتعليقاتكم؟

ثانياً : هل يعقل أن تكونوا أنتم من يشكك في مدى علم فضيلة الشيخ يوسف حفظه بفقه الواقع وفقه المقاصد وفقه الأولويات وفقه المآلات ؟ وهل يعقل أن يتصور مثلكم أن يكون فضيلة الشيخ يوسف حفظه الله ممن يتسرعون في الأقوال والأحكام ومن لا يزنون مترتبات ما يقولون ؟ بل هل يمكن أن يرد على أي عقل سوي أن يكون فضيلة الشيخ يوسف حفظه الله في أي موقع غير موقع الريادة في كل مسعى لوحدة الأمة والتقريب بين فرقها ومذاهبها ، وفي أي موقع غير موقع الريادة في محاربة كل ما يؤدي إلى الفرقة بينها وتشتيت شملها ؟ وهل يمكن أن يرد على أي عقل سوي أن يكون الشيخ حفظه الله من دعاة التعصب والانغلاق والطائفية والعياذ بالله ؟

إنني والله في حال ذهول شديد من ما بدر منكم لأسباب جليّة كثيرة منها أنني أعلم أنكم جميعاً وبلا استثناء تلاميذ للشيخ حفظه الله في فقه المقاصد والواقع بل وفي فقه الأولويات بالذات ، وتلاميذ للشيخ حفظه الله في الوسطية والاعتدال والبعد عن التعصب والمذهبية ، وتلاميذ للشيخ حفظه الله في حمل هم توحيد الأمة ، وتلاميذ للشيخ في سعة الأفق والتسامح والاستنارة الفكرية . فهل يليق والحال هذه أن تكونوا أنتم أول من يشكك في وسطية الشيخ واستنارته وحرصه على وحدة الأمة ؟

ثالثاً : لقد سبق كل ما نشرتموه أيها الأفاضل عن هذا الأمر ردات فعل واستنكارات من الهيئات والرموز الشيعية لما ذكره فضيلة الشيخ يوسف كان من أهمها ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية (مهر) وما صرح به كل من فضيلة العالم الشيعي الإيراني آية الله تسخيري وفضيلة العالم الشيعي اللبناني آية الله محمد حسين فضل الله وفضيلة الداعية السعودي حسن الصفار ، وقد شاعت وانتشرت تلك التصريحات ، ولا يساورني شك في أنكم اطلعتم عليها أو معظمها . أفيعقل بعد ذلك أن أحدا منكم لم يتصد على الإطلاق للدفاع عن الشيخ والذب عن عرضه فيما تعرض له من سباب وفحش من قبل الوكالة الإيرانية ، وما تعرض له من تجن وعدم انصاف من العلماء الشيعة المشار إليهم ؟ أولم يكن الأولى بكم قبل أن تعاتبوا الشيخ بغير حق على رؤوس الأشهاد أن تقودوا حملة عالمية لمطالبة الحكومة الإيرانية بالاعتذار إلى الشيخ ومعاقبة كل من كان وراء ذلك السقوط الشنيع والفحش والبذاءة والفجور الذي صدر عن الوكالة الإيرانية ؟ أولم يكن الأولى بكم أن تنتقدوا العلماء الشيعة خاصة الذين علقوا على أقوال الشيخ على سكوتهم المخزي عما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية ، وعلى تجاهلهم غير المقبول بل وتشويههم لحقيقة مواقف فضيلة الشيخ يوسف حفظه الله ؟ أوما اطلعتم على ما بثته وكالة الأنباء الإيرانية ؟ أوما اطلعتم أو حتى سمعتم عما قاله التسخيري وفضل الله والصفار ؟ إنه والله لأمر محيّر يصعب علي فهمه واستيعابه.

رابعاً : إن من أعجب العجب أن تغيب عن أمثالكم الحقيقة فيما يتعلق بما استنكره وعارضه فضيلة الشيخ يوسف وأن تختلط عليكم الأمور إلى هذه الدرجة . فالغالبية العظمى من أبناء الأمة لم تر فيما صدر عن فضيلة الشيخ يوسف حفظه الله إلا ما هو متسق كل الاتساق مع رسالته ومنهجه السويّ القائم على الوسطية والاعتدال والحادب على وحدة الأمة ورفعتها والذي لم يحد عنه طيلة حياته. ولم تر فيما صدر عنه إلا وقفة شامخة من وقفاته الكثيرة في وجه الغلو والتطرف وتفريق الأمة ونشر الفتنة في صفوفها، فكيف وأنتم من أنتم لم ترو ما رآه فضيلة الشيخ وما رآه الغالبية العظمى من إخوانكم ؟

إنني للتذكير أقول لكم أيها الأحباب : إن ما أقض مضجع الشيخ في الدرجة الأولى هو نشر معتقدات الكراهية والغلو والتكفير في أوساط المسلمين ، وممارسة ذلك بالطرق الملتوية والرخيصة التي تعتمد على استغلال فقر البسطاء وحاجتهم وعلى الكذب والافتراء والتضليل . بل إن ما أقض مضجع فضيلة الشيخ حفظه الله هو نشر المعتقدات التي تستبيح دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم . هذا ما أقض مضجع فضيلة الشيخ يوسف ، فكيف يسوؤكم أن يقف حفظه الله في وجه الغلو والتكفير بل في وجه استباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ؟ وكيف يسوؤكم أن يقف حفظه الله في وجه استغلال فقر الناس وحاجتهم ومعاناتهم لنشر المعتقدات المتطرفة ؟ وهل هناك أولوية أخرى يمكن أن تشغل مثله حفظه الله عن صيانة معتقدات المسلمين ودمائهم وأعراضهم وأموالهم ؟

إنني لا أدري إن كنتم تعلمون أم لا تعلمون أن المعتقد الذي أغضب فضيلة الشيخ حفظه الله نشره بين المسلمين هو المعتقد الذي يرى أن جميع الصحابة رضوان الله عليهم إلا ثلاثة أو أربعة أو تسعة في أحسن الأحول ، أنهم جميعاُ ومعهم كل المسلمين السابقين والمعاصرين سواء من السنة أو الإباضية أو الزيدية أو غيرهم (ما عدا الشيعة الإثنا عشرية) كفار مخلدون في النار ، وأنهم لذلك أنجاس بل إن دماءهم وأعراضهم وأموالهم مستباحة للشيعة الإثنى عشرية . فهل من يعارض نشر مثل هذا المعتقد هو الذي يسعى للتفريق بين المسلمين ؟ ، وهل الذي لا يرضى عن توسيع دائرة مثل هذا المعتقد هو الذي يتهم بالتشدد وعدم الاعتدال ؟ وهل الذي ينهض للحيلولة دون استغفال البسطاء والضعفاء لنشر مثل هذه الإنحرافات في أوساطهم هو الذي نسي أو جهل فقه الأولويات وفقه الواقع ؟

إنني لتذكيركم أيها الأحباب أورد لكم نماذج من معتقدات المعتقد الذي أقض مضجع الشيخ نشره لتكونوا على بيّنة من أمركم : قال الإمام المفيد أحد أكبر علماء المذهب الإثنا عشري في كتابه أوائل المقالات في باب الفرق بين الإمامية و غيرهم من الشيعة وسائر أصحاب المقالات ، قال غفر الله له : " و اتفقت الإمامية على أن المتقدمين على أمير المؤمنين (ع) ضلال فاسقون و أنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عصاة ظالمون و في النار بظلمهم مخلدون .......... و اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة و جحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار".

وقال يوسف البحراني غفر الله له في كتابة ( الحدائق الناضرة ج5 ص177 ): " إن الأخبار المستفيضة بل المتواترة دالة على كفر المخالف غير المستضعف ونصبه ونجاسته " ، وقال أيضا "وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه ورسوله وبين من كفر بالائمة عليهم السلام" . وقال الفيض الكاشاني غفر الله له في (منهاج النجاة ص48 ط دار الكتاب الاسلامي بيروت ): " ومن جحد إمامة أحدهم ـ أي الائمة الاثني عشرـ فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء" . وقال المجلسي غفر الله له في ( البحار ج65 ص281) : " إن من لم يقل بكفر المخالف فهو كافر أو قريب من الكافر " ، وقال في البحار أيضا ج23 ص 390 :" إعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضل عليهم غيرهم يدل على أنهم مخلدون في النار" ، وجاء في (جامع أحاديث الشيعة ج1 ص503) : " والذي بعثنى بالحق لو تعبد أحدهم ألف عام بين الركن والمقام ثم لم يأت بولاية علي والأئمة من ولده عليهم السلام أكبه الله على منخريه في النار " . وقال عبد الله المامقاني غفر الله له في: ( تنقيح المقال 1/208 باب الفوائد ط نجف) قال : " "وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن إثني عشرياً ".

وبناء على هذا فإن موقف القائلين بهذه الأقوال من جميع أتباع المذاهب الأخرى وفيها الزيدية والإباضية هو أنهم كفار مخلدون في النار . ولأنهم كفار ومخلدون في النار فإنهم نجسون حسب المذهب ، قال الخوئي غفر الله له في كتابه: ( منهاج الصالحين1/116 ط نجف ) : (في عدد الاعيان النجسة وهي عشرة ـ إلى أنْ قال ـ العاشر الكافر وهو من ينتحل ديناً غير الاسلام أو انتحل الاسلام وجحد ما يُعلم أنه من الدين الاسلامي..... ولا فرق بين المرتد والكافر الاصلي الحربي والذمي والخارجي والغالي والناصب) . وقال محسن الحكيم غفر الله له في كتابه: (العروة الوثقى 1/68 ط طهران) : ( لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب) . وقال الخميني غفر الله له في ( تحرير الوسيلة ص 118 ط بيروت ) : (وأما النواصب والخوارج لعنهما الله تعالى فهما نجسان من غير توقف) . وقال محمد بن علي القمي الصدوق غفر الله له في: ( ثواب الأعمال وعقاب الاعمال ص352 ط بيروت) عن الامام الصادق أنّه قال : (إنَّ المؤمن ليشفع في حميمه إلاّ أنْ يكون ناصبياً ولو أنَّ ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا) ، ويروي في الصفحةِ ذاتها عن أبي بصير عن الصادق : (إنَّ نوحاً عليه السلام حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل ولد الزنا ، والناصب شر من ولد الزنا) .

ولكي تكونوا على بينة من هذا الأمر فلابد من التأكيد على أن الناصب في المصطلح الإثنى عشري هو السني ومن نهج نهجة أي من فضل وقدم أبا بكر وعمر وعثمان على علي رضي الله عنهم أجمعين. قال الجزائري في: ( الانوار النعمانية 2/307 ط تبريز ) : (ويؤيد هذا المعنى أنَّ الائمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله مع أنه لم يكن ممن نصب العداوة لآل البيت) . وقال حسين بن الشيخ محمد آل عصفور البحراني في: ( المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية ص157 ط بيروت) : ( على أنك قد عرفت سابقاً أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على عليٍّ عليه السلام) . وقال في ص147 من الكتاب نفسه: (بل أخبارهم تُنادي بأنَّ الناصب هو ما يُقال له عندهم سنياً) ، ويقول في الموضع نفسه: (ولا كلام في أنَّ المراد بالناصبة هم أهل التسنّن) . وقال حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي في كتابه: (هداية الابرار إلى طريق الأئمة الاطهار ص106 ط1) : (كالشبهة التي أوجبت للكفار إنكار نبوة النبي صلّى الله عليه وسلم والنواصب إنكار خلافة الوصي) .

وأفضع من هذا كله أن الإثنا عشرية بناء على هذه التصورات أباحوا دم غيرهم وماله وعرضه : قال الصدوق في ( علل الشرائع ص601 ) ، و الحر العاملي في ( وسائل الشيعة 18/463 ) ، والجزائري في (الانوارالنعمانية2/:308 ) : عن داود بن فرقد "قال: قلتُ: لأبى عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكن اتق عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. قلت: فما ترى في ماله؟ قال: تُوه ما قدرت عليه" ، وأقول حاشا لأبي عبدالله رضي الله عنه أن يقول مثل هذا المنكر الشنيع . وقال الجزائري في: (الانوار النعمانية2/308) : (وفي الروايات أن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين وكان من خواص الشيعة فأمر غلمانه وهدوا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريباً فأراد الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل إلى مولانا الكاظم فكتب عليه السلام إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم وحيث إنك لم تتقدم إلي فكفّر عن كل رجل قتلته منهم بتيس والتيس خير منه) ، وأقول حاشا للإمام الكاظم رضي الله عنه أن يقول مثل هذا الخزي . وقال أبو جعفر الطوسي في: ( تهذيب الأحكام 4/122 ط طهران) ، والفيض الكاشاني في ( الوافي 6/43 ط دار الكتب الاسلامية طهران ) عن الامام الصادق: (خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا خُمسه) ، وأقول مرّة أخرة حاشا لأبي عبدالله رضي الله عنه أن يكون أماراً بالنهب والسلب . وقال الخميني في: ( تحرير الوسيلة 1/352 ) : (والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما أغتنم منهم وتعلق الخُمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان وادفع إلينا خُمسه ) . وقال يوسف البحراني في (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة12/323-324) : (إن إطلاق المسلم على الناصب وإنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الاسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله ) .

ولو اقتصر الأمر على أن هذه مجرد مواقف تاريخية عفى عليها الزمن لهان الأمر ، ولكن هذا هو ما تعيد نشر كتبه المطابع الشيعية الإثناعشرية المعاصرة وهو ما يبثه أكثر المواقع والقنوات الإثنا عشرية سواء في إيران أو في العراق أو لبنان أو باكستان وأفغانستان ، وهو ما يعاد نشره في مواقع أكثر المراجع الشيعة المعاصرين دون أي تعليق على الإطلاق ، ولا يحتاج الأمر إلا أن تستخدموا أي محرك بحث في أقرب حاسب مرتبط بالانترنت لتعلموا فداحة ما يجري وأبعاده الحقيقية.

إن هذا هو الواقع الذي يجب أن يُعمل الفقه فيه ، وإن هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها المسلمون في كل مكان والتي يجب أن تكون حاضرة في أذهانكم حفظكم الله ، بل والتي يجب أن يُفهم موقف صاحب الفضيلة

الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من خلالها وفي ضوئها ، فهذا هو الغلو والتطرف اللذين حذر فضيلته حفظه الله من نشرهما في أوساط المسلمين وهذه هي فتائل إشعال الطائفية التي أراد فضيلة الشيخ حفظه الله نزعها ،

واعلموا رحمكم الله أنه لا جدوى من الغمغمات ولا فائدة من الالتفاف حول الحقائق ، ولا مجال للمجاملات على حساب عقيدة الأمة ومستقبلها ومستقبل أجيالها ، وإذا كانت وحدة الأمة لا تقوم إلا بالسكوت عن هذه الشناعات والمنكرات فلا بارك الله فيها من وحده ولا بارك الله في الدعاة إليها.

خامساً : إن من الإنصاف والعدل الإشارة إلى أن هناك جموعاُ من علماء ومفكري ومثقفي وعقلاء المذهب الإثناعشري في كل مكان من العالم ممن لا يقرّون على الإطلاق الأقوال التي أوردناها من المراجع الشيعية المشار إليها ، ويشاركوننا الرأي في أنها مما دسه الأعداء والمتربصون بالأمة ووحدتها على المذهب الإثناعشري ، كما يشاركون الشيخ في رفض ما رفضه وحذر من خطورة الاستمرار فيه ، وإن من الإنصاف والعدل الإشارة إلى أن في كل طائفة ومذهب من يعاني من الغلو والتطرف  ، وإن من أوجب واجبات من منّ الله عليهم بالاعتدال والوسطية من جميع الفرق والمذاهب أن تتضافر جهودهم وأن تتوحد إمكاناتهم لصيانة الأمة من الغلو والتطرف ومن الخرافة والجهالة بجميع أصنافها.

سادساً : إن فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي كان كعادته رفيقاً حليما في معالجته لهذا الأمر ، وقد راعى كل ما ظننتم أنه لم يراعه، حيث راعى المرحلة التاريخية والأخطار المحدقة بالأمة فقال أقل ما يجب وأدنى ما يمكن أن يقال ، وأنتم والله أعرف الناس به وبشجاعته وصلابته وقوته في الحق ، بل وبقدرته حفظه الله على فضح الباطل وكشفه ، وقد كان المأمول من أمثالكم البناء على ما بدأه لا عرقلته وتشويهه كما فعلتم وللأسف الشديد دون قصد بلا شك . وقد كنت أؤمل ومثلي الأولوف المؤلفة من محبيكم في كل مكان أن تتجه أقلامكم وأصواتكم للذود عن حمى الشيخ وأن تستبينوا الحقيقة قبل أن تطلقوا عنان عواطفكم ، ولو أنكم سألتم أهل الشأن أو المتابعين في مصر أو الجزائر أو المغرب أو اليمن أو نيجريا أو بريطانيا أو البرازيل ، ولا أقول العراق ولبنان، لعلمتم حجم الخطر المحدق بالأمة ولأدركتم الأبعاد المأساوية لجريمة الصمت على ما جهر به الشيخ حفظه الله. وأقول لكم أيها الأحباب أي فتنة أعظم وأي إشغال للأمة عن قضاياها الكبرى أشد من خلق بؤر مشوهة الاعتقاد ومتطرفة الفكر في أوساط الغالبية العظمى من مجتمعات الأمة ، بؤر تعلم إيران وتعلم الهيئات الشيعية الإثناعشرية أنها بعوائقها الذاتية لا يمكن أن تتوسع وتنتشر ، ولكنها بما تحمله من ثقافة الكراهية والأحقاد والتكفير قادرة على استثارة الطائفية والمذهبية وإيجاد الفرقة والتناحر أينما وجدت . فهل الجهر بمواجهة مثل هذا الخطر يمكن أن يوصف بأي شيء سوى أنه قمة الحرص على وحدة الأمة ونزع فتائل الطائفية من أوساطها؟ .

سابعاً : إنني أعلم علم اليقين أنكم جميعاً ولله الحمد من أفاضل الأمة ومن مفكريها الذين تعتد بهم ، وأعلم أنكم جميعاً تحملون هم توحيد الأمة وإعلاء شأنها ، ولا يساروني أدنى شك في صدق دوافعكم ونبل مقاصدكم ، ولذلك فإنني أناشدكم أن تعيدوا النظر والتأمل فيما اتخذتموه من مواقف حول ما صرح به فضيلة الشيخ يوسف حفظه الله ، وأناشدكم أن نهب جميعاً لاغتنام هذه الفرصة التاريخية للدعوة إلى وحدة أصيلة وحقيقية وشاملة للأمة ، وتقريب علمي ومستنير بين جميع مذاهبها ، توحيد وتقريب أساسهما الصدق والوضوح والرغبة الصادقة والعزيمة القوية على تطهير جميع موروثنا من كل ما تسلل إليه من الجهل والدس والتزييف في كل المذاهب بلا استثناء. وأدعوكم إلى التوحد في توجيه نداء إلى جميع المراجع الشيعية الإثنى عشرية في العالم خاصة في إيران والعراق ولبنان للتبرؤ بشكل قوي وواضح وصريح من معتقدات التكفير المعشعشة في الموروث الإثنى عشري ومن معتقدات استباحة دماء وأعراض وأموال غير الإثناعشرية وتطهير المذهب منها ، وإلى إلزام جميع المطابع الشيعية بعدم طبع أي كتاب فيه شيء من تلك المعتقدات إلا بعد التعليق عليه بمضمون تبرؤ العلماء الإثنى عشرية المعاصرين منه ، ولإصدار فتوى من أكبر عدد من مراجع الشيعة الإثنا عشرية بتحريم سب الصحابة رضوان الله عليهم وإلزام المطابع بالتعليق بمضمون الفتوى على كل كتاب تراثي ورد فيه أي انتقاص لهم. وأناشدكم أن نهب جميعاً لإقامة ندوات وحلقات علمية جادة يشارك فيها علماء الأمة من كل الطوائف والمذاهب لتنقية الموروث الإسلامي بكل مدارسه بوجه عام والموروث العقائدي والتاريخي بوجه خاص من كل ما علق به من الشوائب والدسائس والإنحرافات ، وكل ما يشكل عائقاً لمساعي الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والمدارس الفقهية.

أخيراً إن من نافلة القول التذكير بأن فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله منذ أن عرفناه وهو رمز عظيم من رموز الاعتدال والوسطية في الأمة بل في الإنسانية كلها ، وإمام من أئمة الاستنارة والاستبصار ، وقد أمضى جل حياته أمد الله في عمره مجاهدا بكل ما يملك في سبيل الحق والذود عن الأمة والدفاع عن قضاياها وعلى رأسها قضية الأمة في فلسطين ، وإنني والله لأقول بلا تردد إن الله عزّ وجل قد أحيا به قلوبا لا يعلمها إلا الله ودحر به باطلا نعلم كثيراُ منه ونجهل كثيراً ، بل أقول كما قال ثابت بن قرة الحراني عندما وصف العالم المجاهد الزاهد الحسن البصري رحمه الله ، أقول بلا تردد : إن فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي بسعة علمه وتعدد مواهبه وبعقله وحكمته وبورعه وزهده ونبله ومكارم أخلاقه وبتاريخه الحافل بالجهاد والنضال هو والله

ممن تباهي بهم الأمة المحمدية غيرها من الأمم. وإن من أقل حقوقه علينا جميعاً أن نعرف قدره ونستبين مكانته وأن نذب عن عرضه ، فهو من أكثر العلماء أهلية في زماننا لأن يطلق عليه لقب "شيخ الإسلام " ، فارفعوا الملام عن شيخ الإسلام حفظكم الله وغفر لي ولكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم ومحبكم:

د. أحمد بن عثمان التويجري

الرياض ، 15/10/1429هـ

...........

* الدكتور أحمد التويجري عضو مجلس الشورى السعودي السابق، وعميد كلية التربية بجامعة الملك سعود، ورئيس منتدى السلام العالمي، والمقال نقلا عن صحيفة المصريون.