محمد مسعد ياقوت

لا تبالي، فلكل عالِم محنة، ولكَ في رسول الله أسوة، أُوذي فصبر، وشُتم وضُرب! وقيل عنه أشنع ما قيل عنك، ومن وراءه الخلفاء والعلماء والفقهاء، أنت الذي حدثتنا عن محنة أحمد، ومصيبة مالك، وسَجْن ابن تيمية، وغيرهم وغيرهم ؟ فالكُل قد نيل منه، بيد أن قارورة الصَّبغ لا تصبغ البحر، ونفخات البشر لا تحرك القمر. وها هي محنتك أيها الأسد الرئبال . وقد بلغتَ من العلم ما بلغت، فأحرى بهذا العلم أن يُخلّد بين الناس، ولن تحيا كلماتُك بين الناس إلا بالمحن .

لا تبالي، فالإيذاء وسامٌ على صدر الناجحين، وشامة في وجه الداعين، وعلامة يُعرف بها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، فلا نجاح دون مكابدة الشوك، ولا عسل دون لذع الأبر .

يا مُجدد القرن، يا شيخ الوسطية، من لك بالـحُر الذي يحفظ اليدا، وقد انتفع بعلمك القاصي والداني، واستغفر لك الصادح والباغم، والسابح والطائر، والخُف والحافر .. أعداؤك حاربوك؛ فانقلب السحر عليهم، والقوم فيك في هِياط وِمياط، وهكذا العظماء، وقد بدت البغضاء من أفواه الحاسدين، ففضحتْهم:

ومن يجعل الضّرغام للصّيد بازه  **  تصيّده الضّرغام فيما تصيّدا

لاتحزن، فهي دعوة الله لن يضيعها، ورسالة الله كتب أن ينصرها، وليأتين اليوم الذي يرى الناسُ فيه بُعد نظرك، وصدق نصحك . أما الآن؛ فأنى لهم ذلك، فحال المسلمين – كما قال معاوية - بين شريد نادّ، وخائف منقمع، وساكت مكعوم، وداع مخلص، وموجع ثكلان..

لاتبخع نفسك، فنواميس الله تجري، والأيام تدور، وقد يرى أهلُ الأرض جميعًا الحق باطلاً، فلا يضيرك ذلك، ما دمتَ على الجادة ، والإساءة إليك لن تعدل ذرة في الإساءة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك نراهما قد توافقا في الوقت، إساءة إلى النبي في الغرب، وإساءة إليك في الشرق، ومعاذا الله أن أجعل اسمك مع اسم النبي في سطر، بيد أن الواقع جعلهما في خط واحد ، فأبشر !

لا تعجز، وخَفَّض عليك، ولو كان الكون كله عليك، وتوكل على الحي الذي لا يموت، وامض قُدمًا في طريق التجديد والوسطية، وقد عهدناك دومًا بعيد الوَثْبة، بطيء العَطفة، يامن علمتنا عقيدة الوسطية، وفقه الوسطية، وأخلاق الوسطية، في زمن ضاع فيه الناس بين متشدد ومترخص، وقد وهت العزائم، وفترت الهمم، وماتت الحفائظ..