محمد عبد القدوس

عدد لا بأس به من المثقَّفين عندهم (أرتكاريا) من كلِّ ما هو إسلامي!! وفي ظلِّ حكم مبارك كانوا خير عون له في محاربته لهذا التيار، بل بلغت الصفاقة ببعضهم أن دعوا دون خجل إلي إلغاء ما نصَّ عليه الدستور في التأكيد علي أن مصر مسلمة، خاصة المادة الثانية التي تؤكِّد علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وقاموا بالتوقيع علي عريضة رفعوها إلي المسئولين بالنظام القديم!

وهؤلاء لا يعبِّرون أبدًا عن الغالبية الساحقة من أبناء مصر، لكن أصواتهم عالية في الصحافة والإعلام ووزارة الثقافة، وبعد نجاح ثورتنا العظيمة استمرُّوا في تلك الأسطوانة المشروخة! مع أن الدنيا تغيَّرت! ورأيناهم يشنُّون حملة شديدة جدًّا علي شيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي، بعدما ألقي خطبة جمعة النصر في ميدان التحرير، مع أن كلامه وموضوع خطبته كان لها صدي رائع بين الثوَّار الذين حضروا الصلاة. وهؤلاء المثقفون (مالهمش دعوة) بالتحرير أو صلاة الجمعة، فهم في أبراجهم العالية بعيدًا عن الناس!

وانتقل هجومهم بعد ذلك علي الشاب الرائع محمد عبدالمنعم الصاوي، صاحب المنارة الثقافية العظيمة بالزمالك، التي تحمل اسم والده الراحل، وما فعله إضافة جديدة وكبيرة لحياتنا في مجال الثقافة لا تزال مستمرَّة حتي اليوم، وقد تولَّي وزارة الثقافة، فشنَّ هؤلاء العلمانيون حملة عليه، بحجة أنه لا يعبِّر عن المثقَّفين في مصر، مع أن إنجازاته تتفوَّق عليهم جميعًا، وهي عبارة عن مشروع متكامل علي أرض الواقع، في مواجهة هؤلاء الذين لا يملكون إلا ثرثرة الصالونات وكلام في كلام!

وقد فضح هؤلاء أنفسهم عندما اتَّهموا الوزير الجديد بأنه متديِّن! ويا لها من تهمة فظيعة! وقالوا: إنه ينظر إلي الأعمال الفنية التي تقدم في ساقية الصاوي من منظور ديني، ويعترض علي ما يراه عيبًا ويتنافي مع الأخلاق، وهذا ضدَّ الإبداع.

الغريب أن هؤلاء النفر من المثقَّفين يزعمون أنهم أنصار الدولة المدنية، وقد كذبوا، فهم يريدونها علمانية صريحة، لا مكان فيها للإسلام في الدولة، علي طريقة أتاتورك بتركيا، قبل تصحيح الأوضاع فيها في السنوات الأخيرة، علي يد رئيس حزب العدالة والتنمية برئاسة (رجب طيب أردوجان) ورفاقه.

وهناك فارق شاسع جدًّا بين هؤلاء العلمانيين والشعب المصري، الذي يرفض التطرُّف بأنواعه! وإذا كان أبناء مصر يرفضون الدولة الدينية، التي تجعل حياتهم حرامًا في حرام! وقائمة طويلة من الممنوعات، فهم في ذات الوقت لا يقبلون بنظام علماني يجعل التديُّن محصورًا في دور العبادة، ولا مكان له في الحياة! وتكفي العبادات وخلاص وكفاية كده، وتعيش مصر الفرعونية التي تعادي جيرانها العرب الأوباش! وقد حاربت بلادنا طويلاً من أجل القضية الفلسطينية فلم تجنِ إلا الخسارة والتخلُّف، الذي زاد مع قدوم المصريين من بلاد السعودية والخليج، محمَّلين بالأفكار الوهابية، ومصر لازم تبقي عصرية مع أوروبا وأمريكا وعلاقة زي الفل مع إسرائيل! والتفكير في إعادة النظر بمعاهدة السلام ضرب من الجنون!

وأقول لهؤلاء: أفكاركم تلك لن تتحقَّق إلا في المشمش!! بلادي دولة مدنيَّة إسلامية، فلا تناقض أبدًا بينهما، وستظلُّ قلعة العروبة والإسلام، والشقيقة الكبري لكلِّ العرب، وثورتنا المجيدة لن تسمح لكم باختطاف بلادنا إلي الوجهة التي تريدونها.

-----

- عن صحيفة الوفد المصرية، الأحد 6 مارس 2011م.