الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
(وبعد)
فإن الشباب هو مرحلة القوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، كما أشار إلى ذلك القرآن، في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}[الروم:54].
وهو من الحيوية الدافقة، والنشاط والتوثب، والأحلام والتخيلات، والعواطف والانفعالات. حتى عبر الناس عن ذلك قديما بقولهم: الشباب شعلة من الجنون!
ومن الشباب من هيأ الله له التربية الصالحة، والبيئة الصالحة، فنشأ نشأة سوية، لا عقد فيها ولا متاعب ولا مشكلات. فكان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: "شاب نشأ في طاعة الله تعالى"[1].
ومنهم لم يتح له ذلك، فنشأ في بيئة منحرفة ساعدته على الانحراف، فمشى في طريق الغواية، حتى يقيض له من يرده إلى الحق، ويوقظ فيه الفطرة السليمة، ودواعي الخير، فيعود إلى الله بعد شرود، ويتوب بعد عصيان.
ومنهم من ينشأ في بيئة دينية ملتزمة بشعائر الدين، ولكنها مليئة بالعقد والأمراض النفسية، والمشكلات السلوكية والاجتماعية، فتورثه خللا في السلوك، وتناقضا في الفكر، وحيرة أمام كثير من صعوبات الحياة.
ومثله من ينشأ نشأة مترفة، نشيء في الحلية، أو ولد وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقولون، فلما واجه الحياة وجد فيها وردا وشوكا، وحلوا ومرا، وهو لم يجرب لمس الشوك، بل هو كما قال الشاعر:
خطرات النسيم تجرح خديــ ــه ولمس الحرير يدمي بنانه!
فماذا يفعل أمام خضم الحياة الزاخر بالأمواج والتيارات المتلاطمة؟
وشباب آخرون كثيرون حائرون: بين ما ورثوه من قيم وأفكار وتقاليد تنتمي إلى الإسلام، وما غزاه به الغرب المنتصر من قيم وأفكار وتقاليد أخرى تنتمي إلى حضارة أخرى: أي النجدين يختار؟
وإذا اختار طريق الإسلام ـ كما هو الطبيعي والمنطقي لمثله ـ فماذا يفعل أمام هذه المغريات المتواصلة مما يقرأ وما يسمع وما يشاهد، التي تهيج الغريزة، وتثير الشهوة، وتدفع إلى الفتنة؟
ومشكلات الحياة التي لا تنتهي: الدراسة.. والوظيفة.. والزواج.. والأسرة.. والمجتمع.. والسلطة.. والعلاقة بهذا كله، وما فيه من عقد تطلب الحل، ومشاكل تطلب العلاج، وأسئلة قلقة تنتظر الإجابة الشافية.
كل هذه الأمور هي التي جعلت إخواننا في (إسلام أون لاين) * ينشئون هذا الباب تحت عنوان (الشباب: مشاكل وحلول) ليعقدوا صلة مع الشباب، ويفسحوا لهم المجال، ليفتحوا لهم الآذان لتسمع، والعقول لترصد وتعي، وتوازن وتحلل، وتضع لهم في ضوء الواقع وإمكاناته ما يعينهم على النهوض من عثرتهم، أو الجواب عن سؤالهم، أو المساهمة في حل مشكلاتهم، في ضوء معطيات العلم، ورصيد التجربة البشري.
وهم في هذا يستعينون بكل ذي خبرة، من أهل الذكر على تنوع تخصصاتهم، من علماء النفس، أو علماء التربية، أو علماء الاجتماع، أو علماء الدين، أو المجربين والخبراء في شؤون الحياة. كما قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[الأنبياء:7]، {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:59]، {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83].
وأود أن أذكر هنا أمرا، ربما يكون له حساسية خاصة لدى كثير من الناس، وهو ما يتعلق بالجنس.
فقد تعود الناس أن يعالجوا هذا الأمر بالكتمان والتغطية عليه، واعتباره أمرا لا يجوز الحديث عنه، أو الخوض فيه، لما فيه من خدش الحياء، ومنافاة الأدب العام.
وأود أن أقول: إن هذا لم يكن هو السائد في ثقافتنا الإسلامية، فالفقهاء يعرضون لهذه الأمور في كتاب الطهارة في نواقض الوضوء، وموجبات الغسل، والحيض والنفاس والاستحاضة، ويتعرضون لها في فقه الأسرة: في حقوق الزوجية، وفي العيوب التي يفسخ بها النكاح، وفي غير ذلك من الأبواب.
كما يتعرض لها المفسرون في تفسير آيات القرآن، كما في عدة آيات في سورة البقرة، ويعرض لها المحدثون في شرح الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تتعلق بهذا المجال.
وكانت هذه الأشياء معروفة في المجتمع، وتمضي بيسر وسهولة، دون أن يشعر أحد بحرج منها.
وقد خصص أخونا الفاضل عبد الحليم أبو شقة رحمه الله في موسوعته (تحرير المرأة في عصر الرسالة): الجزء السادس للثقافة الجنسية، والتربية الجنسية، فأحسن وأفاد.
المهم أن تعرض المشاكل الجنسية وحلولها في جو من الجدية والموضوعية والعلمية، بعيدا عن جو الإثارة والفتنة. وهذا ما أعتقد أن إخواننا في (إسلام أون لاين) قد حرصوا عليه. وهو الموقف الذي يفرضه الإسلام، كما يفرضه العلم.
وقد رأى إخواننا: أن نشر هذه الحلول والإرشادات نافع للقراء، ليتاح لأعداد أخرى ممن لا يتابعون الإنترنت أن يقرأوها، كما يتاح للجميع أن يقتنوها في كتب، فما زال للكتاب موقعه وأثره. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الفقير إلى عفو ربه
يوسف القرضاوي
.........
[1]- متفق عليه: رواه البخاري (660)، ومسلم (1031) كلاهما في الزكاة عن أبي هريرة.