د. يوسف القرضاوي
لا يجوز لعاقل منصف أن يبحث في تراثنا عن أسوأ ما فيه ثم يقول: أتريدوننا أن نرجع إلى هذا؟
قال لي بعضهم يوماً: أتريدوننا أن نعود إلى عهد الأمير الذي قال: من قال لي: اتق الله، ضربت عنقه ؟!
قلت: بل إلى عهد الخليفة الذي قال: لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها!
ندعو إلى عهد عمر الذي قال على المنبر: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوب نفسي . . .
وقال على الملأ: من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومني.
وإلى عهد الخليفة الذي قال من قبله: إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم!
وقال آخر: أتريدوننا أن نعود إلى عهد الحجاج الذي هدد الناس بالسوط يلهب الظهور، وبالسيف يقطع الأعناق. حين قال في خطبته الشهيرة: والله لأضربنكم ضرب غرائب الإبل . . . . . . وإني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها!
قلت: ومَن مِن دعاة الحل الإسلامي يؤيد طغيان الحجاج أو يبارك عودة مثله وهم لم يذوقوا الصاب والعلقم إلا من الطغاة والجبارين من " حجاجي " هذا العصر؟! وإن كان الحجاج أشرف من هؤلاء خصومة، وأنبل سيرة بيقين!
ولماذا لا نقول: إننا نريد العودة إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذي قال للناس عندما ولي الخلافة: إنما أنا واحد منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً؟
والواقع أننا وجدنا من دعاة " العلمانية " و " التقدمية " من نصب نفسه محامياً عن جبروت الحجاج، وصب جام سخطه على عمر بن عبد العزيز، الذي اعتبره أئمة الإسلام خامس الراشدين!
ـــــــ
- عن كتاب "من أجل صحوة راشد تجدد الدين وتنهض بالدنيا" لفضيلة الشيخ.