د. يوسف القرضاوي

جاءت الأحاديث النبوية فأكدت ما جاء في القرآن من فضل العلم، ومنزلة العلماء، من ذلك ما رواه معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما إلا سهل الله له به طريقا إلى الجنة".

وعنه مرفوعا: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

فمن خصائص العلم: أن نفعه مستمر، وأن أجره دائم، وأنه باق للإنسان حتى بعد موته، قال الحافظ النذري: "وناسخ العلم النافع له أجره وأجر من أقرأه، أو نسخه، أو عمل به من بعده، ما بقي خطه والعمل به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخ غير النافع ـ مما يوجب الإثم ـ عليه وزره، ووزر من قرأه، أو نسخه، أو عمل به من بعده، ما بقي خطه والعمل به".

وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما صنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء! وفض العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

قال الإمام الغزالي: ومعلوم أنه لا رتبة فوق رتبة النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة! ويعلق على استغفار من في السموات ومن في الأرض للعالم فيقول: "وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له؟ فهو مشغول بنفسه (أي بعلمه)، وهم مشغولون بالاستغفار له"!

وعن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه، قال: ما جاء بك؟ قلت: أنبط العلم (يعني أطلبه وأستخرجه)، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم، إلا وضعت له الملائكة أجنحتها، رضا بما يصنع".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالما، ومتعلما".

والمراد بلعن الدنيا: ذمها، وهي ليست مذمومة لذاتها، فإنها مزرعة الآخرة، وهي دار الإيمان والعبادة والجهاد في سبيل الله، وإنما تذم من حيث أنها دار للكفر والشر وعبادة الطاغوت، ومن حيث أنها تشغل عن الله تعالى وعن الدار الآخرة. ولهذا استثنى الحديث من الذم كل ما يذكر الإنسان بربه، ويصله بحبله، من ذكر الله، وما يحبه ويرضاه، من العلم النافع والعمل الصالح، والمقصود بالعالم والمتعلم: من يجمع بين العلم والعمل، فيخرج الجهلاء الذين لا يعلمون، والذين يعلمون ولا يعملون.

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع" والمراد بسبيل الله: هو الجهاد.

وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جاء إلى مسجدي هذا، لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله"، لأن كلا من المتعلم والمجاهد يعمل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا بقلمه، وهذا بسيفه.

كما حثت الأحاديث النبوية على إكرام أهل العلم وإعطائهم حقهم من الإجلال والتوقير، وحذرت من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم.

فعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ـ يعني: في القبر ـ ثم يقول: "أيهما أكثر أخذا للقرآن"؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد.

وعن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا".

ــــــــ

- عن كتاب "الحياة الربانية والعلم" لفضيلة الشيخ.