د. يوسف القرضاوي

لقد ابتكر عصرنا ألعاباً كثيرة، لها طابع رياضي، يهدف إلى تقوية الأجسام وتنشيطها، وتدريبها على أعمال وتصرفات متعددة، بعضها فردي، وبعضها جماعي، منها ما يتنافس فيه شخصان كالملاكمة والمصارعة، أو أربعة: اثنان ضد اثنين، كبعض ألوان المصارعة.

ومنها ما يتنافس فيه فريق ضد فريق، كألعاب الكرة المختلفة.

ومنها ما يتنافس فيه مجموعة: أيهم يحصل على المرتبة الأولى أو الثانية أو الثالثة، مثل ركوب الخيل والسباحة وألعاب (الجمباز) وغيرها.

وهناك مهرجانات محلية قطرية، وأخرى إقليمية، أو قارّية ،وثالثة دولية عالمية، تقام لمثل هذه الألعاب، مثل المهرجان الأولمبي الذي يعقد كل أربع سنوات في إحدى مدن العالم الكبيرة، ليستقبل الهواة ـ لا المحترفين ـ في جميع أنواع الألعاب، ويتابعها الناس في أنحاء العالم عن طريق التلفزة.

وهي ألعاب تتعلق برياضة الأجسام وتدريبها على القوة واللياقة وسرعة الحركة، وإجادة فنون اللعبة نفسها. وهي في الوقت ذاته متعة وترويح للاعب نفسه، وللجمهور الذي يشاهده.

وقد رأينا كيف انتشرت الألعاب الرياضية في عصرنا، وتعددت مجالاتها، وتنوعت أشكالها، وغدت لها مدارس وكليات تخرج المتخصصين فيها،ويحصل بعض الدارسين فيها على الماجستير والدكتوراه، وأمست تقام لها أندية تتنافس فيما بينها على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وباتت الدول ترصد الميزانيات الضخمة للإنفاق عليها، في حين تبخل على كثير من الأمور الأساسية بل الضرورية للمجتمع.

ومن هذه الألعاب: ألعاب الكرة بأنواعها، كرة القدم، وكرة السلة، والكرة الطائرة، وكرة اليد، والكرة الأمريكية، وغيرها.

ومنها: السباحة بصنوفها وألوانها عوما وغطسا وقفزا.

ومنها: العَدْو والسباق عليه، مسافات قصيرة أو طويلة.

ومنها: ما يسمونه ألعاب القوة، مثل حمل الحديد، والمصارعة والملاكمة.

ومنها: الوثب، العالي والطويل.

ومنها: ألعاب العُقْلة وما يسمى (الجمباز) ونحوها.

ومنها: ألعاب الفروسية وركوب الخيل.

ومنها: سباق الهجن، وهو عادة عربية قديمة. وهي منتشرة في بلاد الخليج.

ومنها: التهديف والتصويب بالسهام ونحوها.

ومنها: اللعب بالرماح وما يشبهها.

وهذه الألعاب كلها تقوم عليها الدورات (الأولمبية) وتتسابق فيها دول العالم، ويفوز فيها من يفوز بالميداليات الذهبية أو الفضية أو البرونزية، كل على حسب درجة أدائه وتفوقه.

والأصل في هذه الألعاب كلها: الجواز والمشروعية، ما لم تشتمل على محظور أو مفسدة، فيطرأ عليها التحريم.

وبعض هذه الألعاب قد ثبتت مشروعيتها بأحاديث صحاح وحسان. مثل العدو والسباحة، واللهو بالسهام، واللعب بالحراب، وركوب الخيل، والمصارعة وغيرها، وقد تحدثنا عنها من قبل.

وبعضها مباح بناء على المبدأ الشرعي المعروف، وهو أن الأصل في الأشياء والأعمال الدنيوية هو الإباحة.

بالإضافة إلى أن كل ما يقوي البدن، ويعود عليه بالعافية، فهو أمر مشروع، بل مستحب، وقد يصل أحيانا إلى درجة الوجوب، حسب درجة الحاجة إليه.

ثم إن الأمم في عصرنا أصبحت تتنافس وتستبق في هذا الميدان: ميدان الرياضة بأنواعها، وتبذل الكثير في إعداد الرياضيين، فلا يجوز للأمة المسلمة أن تتخلف عن غيرها. بل ينبغي أن يكون لها السبق دائما.

ولكن المباحات في الإسلام لها ضوابطها، التي تتقيد بها، فلا يجوز لها أن تخرج عنها.

من ذلك: عدم الإسراف والمبالغة فيها، كما قال تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف:31).

والإسراف في المباح يجعله حراما، أو يقربه إلى دائرة الحرام.

والرياضة من الأشياء التي مال الناس فيها إلى المبالغة والإسراف في عصرنا، فقد أخذت من أوقات الناس ومن جهودهم ومن أموالهم أكثر مما يلزم، وخصوصا كرة القدم، حتى بات لاعبو الكرة من (نجوم المجتمع) وغلبت (عبقرية القدم) على (عبقرية الرأس) أو (عبقرية القلم)! وأمست وزارات الشباب تعنى بالأبدان أكثر من عنايتها بالعقول والأرواح.

ومن الضوابط المهمة هنا: حدوث ضرر بالغ لللاعب أو لخصمه في الرياضات التي يتبارى فيها اثنان، مثل الملاكمة، والمصارعة. وقد أفتى بعض العلماء ـ وأنا منهم ـ بتحريم لعبة الملاكمة المفتوحة، التي يجوز للملاكم فيها أن يقتل خصمه بالضربة القاضية أو يصيبه بعاهة مستديمة، تلازمه طوال حياته، وتؤثر على جسمه أو عقله.

ذلك أن من القواعد الشرعية المقطوع بها، والمأخوذة من نص الحديث النبوي، ومن آيات القرآن: أن " لا ضرر ولا ضرار "[1] وقال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (النساء:29)، وقال سبحانه: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة:195).

ولا يجوز للإنسان أن يضر نفسه أو غيره ضررا بليغا، طائعا مختارا، لأن نفسه وديعة من الله بين يديه، لا يسوغ له أن يتصرف فيها تصرفا يؤذيها بلا سبب، إلا أن تدفع إلى ذلك ضرورة، أو حاجة تنزل منزلة الضرورة.

ومن الضوابط المهمة كذلك: المحافظة على ستر العورات المحظور كشفها، والذي أرجحه هنا أن نتبنى المذاهب الميسرة في هذا الأمر، مثل من يرى أن الفخذ ليس بعورة، لمسيس الحاجة إلى كشف الفخذ أو بعضه على الأقل في كثير من الرياضات.

ولكن لا يجوز أن نسمح بتجسيد العورات المغلظة تجسيدا شديدا، ولو كان ذلك للرجال.

وأشد من ذلك وأغلظ : ما يتعلق بعورات النساء، في رياضات كثيرة، مثل السباحة، و(الجمباز) والتزحلق على الجليد، ورقص البالية ، والعدو والقفز وغيرها، فهذا يجوز للنساء أن يقمن به بعضهن مع بعض بضوابطه، ولا يقمن به بمشهد من الرجال الأجانب عنهن. ولهذا لا يجوز تصوير هذه المشاهد الرياضية المتعلقة بالنساء ، مثل السباحة و ألعاب الجمباز ، و نحوها ، لتنقل إلى عموم المشاهدين من الرجال وغيرهم عن طريق التلفازات والفضائيات وغيرها .

ومن الضوابط المهمة أيضا: ألا تلهي هذه الألعاب عن ذكر الله عن الصلوات المفروضة، وعن أي واجب ديني أو دنيوي، لأن إضاعة الصلوات والواجبات أمر محرم في الإسلام، وكل ما أدى إلى الحرام فهو حرام، فوجب منعه سدا للذريعة إلى الفساد . وقد قال تعالى في تعليل تحريم الخمـر والميسر: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟) (المائدة:91).

ــــــــ

- عن كتاب "فقه اللهو والترويح" لفضيلة الشيخ.