د. يوسف القرضاوي

إن الناس يخافون من أشياء كثيرة وأمور شتى، ولكن المؤمن سد أبواب الخوف كلها؛ فلم يعد يخاف إلا الله وحده، يخافه أن يكون فرط في حقه، أو اعتدى على خلقه، أما الناس فلا يخافهم؛ لأنهم لا يملكون له ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

دعا أبو الأنبياء إبراهيم إلى توحيد الله، وتحطيم الأصنام، فخوفه قومه من آلهتهم التي دعا إلى نبذها؛ فقال إبراهيم متعجبًا: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنعام:81)، وقد عقّب الله على ذلك حاكمًا بين الفريقين فقال: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام:82).

وفسّر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في هذه الآية بالشرك: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13)؛ فبيَّن لنا أن الإيمان والتوحيد هما أعظم أسباب الأمن والطمأنينة؛ وبالتالي يكون الجحود بالله أو الشك فيه، أو الشرك به، أعظم أسباب الخوف والاضطراب والرعب. وصدق الله إذ قال: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (آل عمران:151).

مخاوف الملحدين والشاكين

والملحدون الجاحدون أكثر الناس مخاوف -وإن كتموها عن الناس- إنهم يخافون الزمن والكوارث، والفقر والمرض والناس، وأشد ما يخيفهم الموت، فهم ينظرون إليه نظرتهم إلى سبع فاتك، وعدو متربص، ونهاية مجهولة، ومصير مخوف.

قال الفيلسوف الأخلاقي ابن مسكويه: "إن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدرى الموت على الحقيقة، ولا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحل وبطل تركيبه، فقد انحلت ذاته وبطلت نفسه بطلان عدم ودثور، وإن العالم سيبقى موجودًا وليس هو بموجود فيه، كما يظنه من يجهل بقاء النفس وكيفية المعاد، أو لأنه يظن أن للموت ألمًا عظيمًا غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه وكانت سبب حلوله، أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدرى على أي شيء يقدم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والمقتنيات، وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها".

ظنون باطلة، ولكن المنكرين والشاكين يعيشون في هذه الظنون، ويموتون على هذه الأباطيل، وهم بين الموت والحياة في قلق وخوف واضطراب، على حين نجد المؤمن أقل الناس خوفًا وأشدهم أمنًا.

.....

- المصدر: "الإيمان والحياة" لفضيلة الشيخ.