أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا دعا خلاله أبناء الأمة الإسلامية جميعاً، بغضِّ النظر عن أعمارهم وبلدانهم ومذاهبهم وجنسياتهم، إلى القيام بواجبهم في دعم جهاد إخوانهم في لبنان وفلسطين بالنفس والمال واللسان والقلم .

وقال الاتحاد في بيانه إنه يعيد التأكيد مجدَّداً على أهمية توحيد صفوف المسلمين، ويحذِّر من خطورة الانزلاق مع بعض الدَّعَاوَى الخبيثة التي يطلقها المضلِّلون والمضلَّلون هنا وهناك، بمهاجمة طائفة من طوائف المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم، أو إضفاء الصواب المطلق على رؤية شاذَّة أو فتوى متطرِّفة، أيّاً كان مصدرها، أو وصف الآراء الأخرى التي لا توافقها بالضلال أو الفسوق أو الكفر، ويخص الاتحاد بالذكر ما نراه وما نسمعه بين حينٍ وآخر، لاسيما منذ أن ظهرت بطولات المقاومة الإسلامية في لبنان، من المغرضين والمغرَّر بهم من تفريق بين السنَّة والشيعة، وهم جميعاً من أهل القبلة، أو من الاقتـتال بينهما في أي ميدان.

وشدد الاتحاد على  أن ما تواجهه القوة الصهيونية المجرمة من هزائم في الجبهة اللبنانية، لن يخفّف من استهدافها للجبهة الفلسطينية، بل إن الواقع الميداني يدلُّ على ازدياد شرَاسة الصهاينة على إخواننا في فلسطين، مما يوجب علينا أن نحافظ على أعلى مستوى من اليقظة والحذر، وأن نواصل تقديم الدعم لهم بشتى صوره وأشكاله بما في ذلك أموال الزكاة والصَّدَقات والوصايا بالخيرات العامة وغيرها، بل يجب أن يقتطع المسلمون نصيباً من أموالهم الخاصة ومن أقواتهم لدعم إخوانهم، كما أفتى الاتحاد من قَبْل.

نص البيان

(هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنت الأعَلوْن إن كنتم مؤمنين * إن يمسَسْكم قَرّحٌ فقد مسّ القوم قَرّحٌ مثلُه * وتلك الأيام نداولها بين الناس * وليعلم الله الذين آمنوا، ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليُمَحِّص الله الذين آمنوا ويَمْحَقَ الكافرين)[آل عمران:142:139]

الحمد لله ناصر المؤمنين، وقاصم المعتدين، ومذلِّ المتجبرين، ومبشر الصابرين بأن لهم من الله أجراً عظيماً،  والصلاة والسلام على رسول الله محمد قائد الغُر المُحَجَّلين وسيد المجاهدين في سبيل الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين ... وبعد،

فبمناسبة مرور أسبوعَيْن من المعارك البطوليَّة التي يخوضُها جُنْدُ الله في فلسطين ولبنان في مواجهة أعداء الله من الصهاينة ومَنْ يَشُدُّ أزرَهم، تلك المعارك التي تذكِّرنا ببطولات القرون الأولى، قرون الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان، يرى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من واجبه، أن يذكِّر أبناء هذه الأمة جميعاً، بغضِّ النظر عن أعمارهم وبلدانهم ومذاهبهم وجنسياتهم، بواجبهم في دعم جهاد إخوانهم في لبنان وفلسطين بالنفس والمال واللسان والقلم، «فالمسلم – كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم – أخو المسلم: لا يظلمه ولا يُسْلِمُه ولا يَخْذُلـه»، «المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم»، (والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياء بعض( [التوبة: 71].  وقد أوجب الإسلام على المسلمين إذا غُزِيَتْ أيُّ أرضٍ لهم أن يقاتلوا دفاعاً عنها وهذا فرضُ عين عليهم، وأوجب على المستطيع من المؤمنين أن يَنْفِر إذا استُنْفر لمعاونة إخوانه بما يحتاجون إليه من رجال وسلاح ومال، فقال سبحانه: )انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) [التوبة: 41]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا استُنْفرتم فانْفِروا». وهذه النَّفْرَةُ تكون بالمال والسلاح وتكون بالنفس: روحاً، ويَداً، ولساناً، وقَلَماً، وتشجيعاً، وتحريضاً على القتال، ودعاء على المعتدين، ولا تكون تخذيلاً للمجاهدين، أو تعويقاً لهم، أو انتقاداً لجهادهم، أو سَلْقاً لهم بألسنةٍ حِدَاد. وقد قال ربُّنا عزّ وجل عمَّن يفعل ذلك: (قد يَعْلَمُ الله الـمُعَوِّقين منكم والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلاً(18) أشِحَّةً عليكم، فإذا جاء الخوف رأيتَهم ينظرون إليك تدور أعيُنُهم كالذي يُغْشَى عليه من الموت؛ فإذا ذهب الـخَوف سَلَقوكم بألسنةٍ حِدَاد، أشِحَّةً على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم) [الأحزاب: 18-19].

وقال سبحانه: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران 173-175].

كما يعيد اتحاد علماء المسلمين التأكيد مجدَّداً على أهمية توحيد صفوف المسلمين، ويحذِّر من خطورة الانزلاق مع بعض الدَّعَاوَى الخبيثة التي يطلقها المضلِّلون والمضلَّلون هنا وهناك، بمهاجمة طائفة من طوائف المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم، أو إضفاء الصواب المطلق على رؤية شاذَّة أو فتوى متطرِّفة، أيّاً كان مصدرها، أو وصف الآراء الأخرى التي لا توافقها بالضلال أو الفسوق أو الكفر، ويخص الاتحاد بالذكر ما نراه وما نسمعه بين حينٍ وآخر، لاسيما منذ أن ظهرت بطولات المقاومة الإسلامية في لبنان، من المغرضين والمغرَّر بهم من تفريق بين السنَّة والشيعة، وهم جميعاً من أهل القبلة، أو من الاقتـتال بينهما في أي ميدان.

والحق أنّ القول الثابت الذي يثبِّتُ الله به الذين آمنوا: وهو كلمة «لا إله إلا الله»، هو الذي يضفي على قائله صفة الإسلام، وأن اختلاف الآراء وتعدُّدها ضمن إطار الإسلام الجامع هو من المزايا الإيجابية لهذا الدين، وقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتّفق عليه: «من قال لا إله إلا الله فقد عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقها، وحسابه على الله تعالى».

وقد آن أن نستجيب لقول الله عزّ وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )[آل عمران: 103]؛ وقوله سبحانه: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46]، وقوله جل وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم «بحسب امرئ من الشر أن يَحْقِرَ أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». وقوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً».

إن هذا العدوان الوحشي الذي ينفذه أولئك الذين (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً)[التوبة: 10] على إخواننا في لبنان وفلسطين، والذي يتجلَّى فيه الـجُبْن بأجلى مظاهره، إذْ (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ)[الحشر:14]، ولا يجرؤون على مجابهة المجاهدين المصابرين المرابطين وجهاً لوجه، بل يصبّون جامَ قذائفهم المحرَّم استعمالُها دولياً، من طائراتهم وبَواَرجهم، على الأطفال والنساء والرجال الذين لا يقاتلون، وعلى المساكن والمدارس والمستشفيات والبـِنْيَة الأساسية للبلاد.. إن هذا العدوان الذي يمثِّل الخِسَّة والنذالة بأجلى مظاهرهما، احتماءً بقوى الهيمنة والاستكبار، واستفادةً من الصمت الدولي المشبوه، لن يؤدِّي إلا إلى مزيد من الثبات والصمود لدى أبناء هذه الأمة، الذين أظهروا من البطولات والصبر ما يحيِّر الأعداء وغير الأعداء، وإلا إلى مزيد من الـجُبْن والرعب في قلوب الصهاينة بحول الله:

( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )[الأنفال:12].

ولا يحسبنَّ أحد أن ما تواجهه القوة الصهيونية المجرمة من هزائم في الجبهة اللبنانية، سوف يخفّف من استهدافها للجبهة الفلسطينية، بل إن الواقع الميداني يدلُّ على ازدياد شرَاسة الصهاينة على إخواننا في فلسطين، مما يوجب علينا أن نحافظ على أعلى مستوى من اليقظة والحذر، وأن نواصل تقديم الدعم لهم بشتى صوره وأشكاله بما في ذلك أموال الزكاة والصَّدَقات والوصايا بالخيرات العامة وغيرها، بل يجب أن يقتطع المسلمون نصيباً من أموالهم الخاصة ومن أقواتهم لدعم إخوانهم، كما أفتى الاتحاد من قَبْل.

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ([يوسف: 21].

رئيس الاتحــاد:         الأستاذ الدكتور/ يوسف القرضاوي

الأمين العام للاتحاد:       الأستاذ الدكتور/ محمد سليم العوَّا