![]() |
الأستاذ فهمي هويدي |
أكد المفكر الإسلامي فهمي هويدي أن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد أصبح "مصدرًا لا غنى عنه في تصحيح الإدراك، وإشاعة الفكر الوسطي، الذي أصبح أحد أهم المبشرين به، والمدافعين عنه، في زماننا"، معتبرًا أنه "أصبح صاحب مدرسه فقهية، تتعلق بها آمال كثيرين من المصلحين والمتدينين، الذين رفضوا التطرف والعنف، ووجدوا في خطاب القرضاوي راية تعلقوا بها، وتحلقوا حولها".
وقال هويدي في مقال له بعنوان "أربع نقلات مهمة في رحلة القرضاوي"، نشرته صحيفة الدستور المصرية المستقلة في عدد الثلاثاء (28/8/2007)م: "ما لقيت أحدًا خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة إلا وجدته يعبر عن جزعه؛ بسبب الأخبار التي نشرت عن صحة الشيخ يوسف القرضاوي، خصوصًا الإشارة التي أوردتها الصحف عن النزيف الذي أصابه، والحرج الذي تمر به ظروفه الصحية".
وكانت أنباء ترددت عن تردي الحالة الصحية للشيخ القرضاوي، غير أن الشيخ طمأن محبيه في العالم الإسلامي، عبر رسالة صوتية بثتها قناة الجزيرة الفضائية مساء الأحد(26/8/2007)م، نفى فيها ما رددته بعض وسائل الإعلام عن حدوث نزيف حاد أدى إلى نقله للعناية المركزة.
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يتابع شخصيًّا وباهتمام شديد علاج الشيخ، منذ الدقائق الأولى التي دخل فيها المستشفى، كما كلف الفريق الطبي الخاص به، والذي يضم شقيقه الدكتور مصطفى بوتفليقة، بالإشراف على علاج الشيخ، ومن المقرر أن يغادر الشيخ مستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر، في غضون 48 ساعة، بعد أن تحسنت حالته الصحية، إثر دخوله المستشفى قبل ثلاثة أيام؛ حيث كان يُعاني من "مقدمات قرحة بالمعدة".
وسيتوجه الشيخ القرضاوي بعد مغادرته المستشفى إلى مصر - مسقط رأسه- لقضاء بضعة أيام، قبل العودة إلى مقر إقامته الدائم في العاصمة القطرية الدوحة، وقد مَنعت إدارة المستشفى الاتصال المباشر بالشيخ لتوفير أجواء الراحة اللازمة له، بعدما انهالت الاتصالات عليه من كل مكان في العالم للاطمئنان على صحته.
وأضاف هويدي في مقاله: "ولم يكن ذلك الجزع قلقًا على الرجل الذي احتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين في كل مكان، ولكنه كان قلقًا على المسلمين أنفسهم، بعدما أصبح الشيخ مصدرًا لا غنى عنه في تصحيح الإدراك، وإشاعة الفكر الوسطي"، موضحًا أن "العارض الذي ألم به وعافاه الله منه يُنبِّه أعوانه ومحبيه إلى ضرورة التفكير في كيفية الحفاظ على البنيان الذي أقامه، والمنهج الذي كرس له حياته، ومستقبل مشروعه كله".
وقال هويدي: "إننا بصدد نموذج يكاد لا يعوض، ومدرسه فكريه هي طوق النجاة، ومعقد أمل المسلمين، تستحق الدراسة المعمقة، صحيح أن ظهور الشيخ القرضاوي على شاشة تلفزيون الجزيرة كل أسبوع، ولعشر سنوات تقريبًا على الأقل، جعله يدخل ملايين البيوت؛ بحيث أصبح عضوًا في ملايين الأسر، إلا أننا نبخسه حقه إذا ما اكتفينا بذلك في تقييم دور الرجل".
وأوضح الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي أن الشيخ القرضاوي "أحدث أربع نقلات مهمة في حياته المديدة، حفرت له مكانته في قلوب الجميع وهي:-
النقلة الأولى: تمثلت في تحوله من داعية إلى فقيه، ومن مبشر إلى مجتهد: ..... فلم يعد يُبلِّغ الناس بما يعرفون، أو بما يدغدغ مشاعرهم، ويرطب جوانحهم، وإنما أصبح يرد على أسئلتهم، ويحل لهم إشكالات حياتهم، ويستنبط الأحكام التي تُسهم في تيسير الحلال، وطمأنة ضمائر المؤمنين.
والنقلة الثانية: تمثلت في تحوله من الحركي إلى المرجع: ذلك أنه تربى في مدرسة الإخوان حقًّا لكنه تخرج من المدرسة، وتحول إلى جامعة بحد ذاته، وبالتالي؛ فإنه تجاوز انتماءه إلى الحركة، وانحاز إلى انتمائه للأمة، ورغم اعتزازه بخلفيته وتجربته في صفوف الإخوان إلا أنه اعتبر تلك التجربة مرحلة في حياته، أسهمت في تأسيسه، لكنها لم تستوعبهن أو تستولِ عليه.
فقد تعامل الشيخ مع الحركة الإسلامية باعتبارها وسيلة وليست غاية، وبابًا لخدمة الإسلام لا يصادر أبوابًا أخرى، تُوصل إلى ذات الهدف، وبسبب موقفه ذاك فإنه لم يتردد في نقد مشروع الإخوان، ومراجعة كتابات الأستاذ سيد قطب، وهو ما عبر عنه في كتابه "أين الخطأ"، وفي نقده فإنه ظل دائمًا ساعيًا إلى تصويب المسيرةن وتدعيم البناء، وطامحًا إلى إنجاح المشروع، ومواكبته لتطورات الزمان والمكان.
أما النقلة الثالثة: فتمثلت في انتقاله من المحلية إلى العالمية: إذ لم يعد فقيهًا مصريًّا أو قطريًّا ولا عربيًّا، وإنما أصبح صاحب كلمة في مجتمعات المسلمين حيثما وجدوا في أية قارة من قارات العالم، ورغم أنه شجع المسلمين في المهجر مثلا على أن يستعينوا بأهل العلم في بلادهم، باعتبارهم الأدرى بشعابهم، إلا أنهم وجدوا أن وجوده بينهم لا يُستغنى عنه، فقبِلَ أن يتولى رئاسة المجلس الأوروبي، وعطاؤه للمسلمين في الغرب لم يختلف كثيرًا عن عطائه وحضوره للمسلمين في ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما من بلاد المسلمين.
أما النقلة الرابعة والأخيرة: فكانت في تحوله من التقليد إلى التجديد: ذلك أنه بدأ حياته الفقهية دائرًا في فلك المذاهب المعتمدة، وملتزما بتعاليمها، لكنه مع مُضي الوقت، وسعة اطلاعه على أمهات الكتب، وعلى أحوال المسلمين طور من أفكاره، مهتديًا بمقاصد الشريعة، ونجح في أن يثبت حضوره كواحد من مجددي القرن.
واختتم المفكر الإسلامي فهمي هويدي مقاله، قائلا: "إن تجاوز الدكتور القرضاوي للعارض الذي ألَمَّ به يُسعدنا لا ريب، وسوف تستمر سعادتنا إذا ما أدركنا أن مدرسته استمرت، وأنه نجح في أن يُربي رجالا يحملون رسالته".
ـــــــــ
- نقلاً عن موقع أمة أونلاين .