انعقد هذ المؤتمر في هذه المدينة «بو حنيفية» في ولاية «معسكر» وهي بلدة مشهورة بما فيها من حمامات معدنية، يأتي إليها الناس قاصدين من داخل الجزائر وخارجها.

وكان موضوع الملتقى من الموضوعات المهمة، والموضوعات الشائكة أيضًا، وهو ما يتصل بما يسمى «الحياة الروحية في الإسلام» أي: بالتصوف والسلوك، وهو موضوع مختلف فيه بين طرفين وواسطة.

منكرو التصوف كله:

الطرف الأول: طرف الذين ينكرون التصوف كله، سنيه وبدعيه، العملي والفلسفي، المستقيم منه والمنحرف. ويرون أن التصوف نهج دخيل على الإسلام مقتبس من المانوية الفارسية، والبرهمية الهندية، والرواقية اليونانية، والرهبانية النصرانية، وما إلى ذلك من المذاهب التي تقوم على المبالغة في التقشف وتعذيب الجسد، في سبيل تصفية الروح.

ومن هؤلاء أكثر السلفية، الذين يزعمون أنهم على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، وهما على عكس ما يدعون. فلابن تيمية مجلدان من مجموع رسائله وفتاويه حول التصوف والسلوك، ولابن القيم مجموعة غير قليلة من المؤلفات حول التصوف، مثل: «عدّة الصابرين» و «ذخيرة الشاكرين»، و «طريي الهجرتين»، و «روضة المحبين» وغيرها. ولعل أوسعها وأهمها: كتابه الشهير: «مدارج السالكين شرح منازل السائرين إلى مقامات {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ}» وهو شرح موسع ومؤصل لرسالة «منازل السائري» للعلامة أبي إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي (ت 481هـ).

الآخذون بالتصوف كله سنيه وبدعيه:

والطرف الثاني: هم الذين يأخذون التصوف بكل ما فيه، بعجره وبجره، كما يقولون. على ما يحمل أحيانًا من شركيات في العقيدة «القبوريات وأمثالها»، وابتداعات في العبادة، في الصلوات والأذان والأذكار وغيرها، وسلبيات في التربية، مثل قولهم: من قال لشيخه: لَم؟ لا يفلح. من اعترض انطرد. ومن باح راح. والمريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل!!

وأخطر من ذلك التصوف الفلسفي، الذي يقول بأفكار غريبة عن عقائد الإسلام، مثل: الحلول  والاتحاد «ما في الجبة غير الله»، أو وحدة الوجود، أنه لا ثنائية في الوجود، فلا يوجد خالق ومخلوق، ولا رب ومربوب، ولا آمر ومأمور. وقد نادى بذلك متصوفون معروفون مثل: الحلاج والسهروردي المقتول وابن سبعين وابن عربي، الذي خيّر الناس بكتاباته التي يعارض بعضها بعضًا.

وقد أصبحت هناك ثقافة صوفية مختلفة، يعبرون فيها عن وجهتهم، ولهم فيها مصطلحاتهم الخاصة، وعباراتهم المؤثرة، التي تحمل من حرارة التعبير، وبراعة التصوير، وقوة التأثير، ما لا يوجد في عبارات غيرهم، التي تغلب عليها الصنعة، وتتسم كثيرًا بالجمود والبرود والهمود.

ومن الأفكار الأساسية التي غلبت عليهم، وراجت عندهم:

1 - اعتبار القلب والوجدان والذوق مصدرًا من مصادر الحكم الشرعي، فيكتفي أحدهم إذا فعل شيئًا أو تركه، أو حثّ عليه، أو نفر منه، أن يقول: قلبي أمرني أو نهاني.

وهذا ما جعل بعضهم يحملون على العلم الشرعي وعلى أهله، ويعتبرون هذا العلم «حجابًا» عن الوصول إلى الله عز وجل.

وكانوا يعيبون على علماء الحديث معاناتهم في طلبه بأسانيده: حدثنا فلان عن فلان عن فلان ... حتى إن أحدهم قيل له: هل لك أن ترحل إلى صنعاء تطلب العلم عن عبد الرزاق؟

فقال لهم: ما يصنع بالأخذ عن عبد الرزاق مَن يأخذ علمه عن الأخلاق؟!!

وعندما قيل لبعضهم: مَن حدثك هذا؟ قال: حدَّثني قلبي عن ربي!!

ليس كل الصوفية يقولون هذا، ولكن هذا شأن الغلاة منهم، وهم معظِّمون عادة عند سائر الصوفية، وإن لم يقولوا بقولهم.

2 - تفرقتهم بين الشريعة والحقيقة، وأن هناك أناسًا لا يعرفون إلا «ظاهر الشريعة» وهذا مبلغ علمهم، وهناك آخرون جعلوا همهم في طلب «باطن الحقيقة» فغاصوا في الأعماق، ووصلوا إلى المقصود.

وعندهم: أن الشيء قد يكون مذمومًا أو منكرًا في الشريعة، ولكنه محمود أو معروف في الحقيقة. ويستدلون على ذلك بقصّة سيدنا موسى مع الخضر، وأن ما كان يعتبره موسى منكرًا، كخرقه السفينة، وقتل الغلام، كان من المعروف المشروع عند الخضر، كما بين له ذلك.

ومن أقوالهم المأثورة هنا: مّن نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم، ومَن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم!

لأن الذي ينظر إليهم بعين الحقيقة يراهم - وإن لم ينفذوا أمر الله - قد نفذوا إرادته في كونه، فهم أطاعوا الإرادة، وإن عصوا الأمر.

ومعنى هذا: أنه يجب أن نعذر فرعون وهامان وقارون، وكل الكفرة المفسدين في الأرض، والمستكبرين على خلق ا لله، بل يجب أن نعذر شر خلق الله إبليس، فهو ينفذ إرادة الله فيه!!

وعلى هذا، يقولون: إن الناس لم يعبدوا أحدًا غير الله، لأنهم مقهورون على تنفيد إرادته، ولذا قال ابن عربي: أبى الله أن يعبد أحد سواه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، ويعني بالقضاء هنا: القضاء الكوني لا القضاء الأمري التشريعي. وهو ما تعنيه الآية الكريمة. ومن شعره:

عقد الخلائق في الإله عقائدا        وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه!

ولذا ورد عن ابن عربي ما يذيب الفوارق بين الأديان، فليس فيها صحيح وفاسد، ولا منسوخ وناسخ، ولا حق وباطل، ومن أشهر ذلك قوله مما نسب إليه:  

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي     إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

وقد صار قلبي قابلًا كلَّ صورة      فمرعى لغزلان، ودير لرهبان

وبيت لأوثان، وكعبة طائف    وألواح توراة، ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنَّي توجَّهتْ           ركائبُه، فالحبُّ ديني وإيماني!

المتوسطون بين الطرفين:

وهناك فئة الوسط بين طرف الغلاة في النفي، وطرف الغلاة في الإثبات. وخير الأمور أوسطها.  هؤلاء يرون أن دعوى القائلين بأن التصوّف كله مستورد من خارج الدائرة الإسلامية، دعوى متطرفة مبالغ فيها. فممّا لا ريب فيه أن جذور التصوف إسلامية، ولذا اجتهد المتصوفة فيما بعد أن يستدلوا لمقاماتهم ومنازلهم بالقرآن أحيانًا، وبه وبالسنة أحيانًا أخرى. بالعبارة أحيانًا، وبالإشارة أخرى، كما فعل صاحب «منازل السائرين»، وكما حاول الإمام الغزالي في كل كتاب من كتبه الأربعين التي ضمّها كتابه الشهير «إحياء علوم الدين»: أن يستدل على كل موضوع يتحدَّث عنه بآيات القرآن وبالأحاديث النبوية، وبالآثار عن الصحابة والتابعين وسلف الأمة، حتى يثبت له المشروعية الإسلامية، وإن كان يورد أحيانا من الأحاديث ما لا يصلح للاستدلال به.

كما يرون أن المتصوفة كغيرهم من سار الطوائف، مثل: الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والمحدثين، يؤخذ منهم ويرد عليهم، فهم بشر غير معصومين. وأعدل ما قيل فيهم ما قاله الإمام ابن تيمية عنهم:

«تنازع الناس في طريقهم: فطائفة ذمّت «الصوفية والتصوف» وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة. ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام.

وطائفة غلت فيهم، وادَّعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ... وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.

والصواب: أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين. وفي كلَّ من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب. ومن المنتسبين إليهم مَنْ هو ظالم لنفسه، عاص لربه.

وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزنادقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق. مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره»(1). اهـ.

منهج الحياة الروحية في القرآن والسنة:

لم يكن قد طلب مني موضوع أعده لهذا الملتقى، ولكن طلب مني الإخوة المسئولون في وزارة الشئون الدينية حين وصلت إلى الجزائر: أن أفتتح جلسات الملتقى العلمية بمحاضرة عن «منهج الحياة الروحية كما رسمه القرآن والسنة».

وبالطبع، لم يكن لديّ مراجع في الموضوع، ولا أستطيع أن أراجع فيه، لو وجدت المراجع. فتوكلت على الله، واعتمدت على المخزون عندي حول الموضوع، وهو ليس بالقليل، والحمد لله، وطفقت أحضر في ذهني محاور المحاضرة، وكانت واضحة لديَّ وضوح الشمس في ضحى النهار.

وتكلمت عن هذه المحاور واحدًا بعد الآخر، مستشهدا بالنصوص القرآنية والنبوية، وبآثار السلف، وبأقوال كبار الصوفية المتقدمين أمثال: أبي سليمان الداراني، والفضيل ابن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وشيخ المربين الجنيد، والقشيري، وغيرهم، والمتأخرين مثال: الغزالي، وابن عطاء الله السكندري وحكمه الشهير، وكنت أحفظ كثيرًا منها.

وأنا لا أذكر ما قلته في ذلك الوقت بالضبط، لطول الزمن، ولعل الإخوة في الجزائر، يكونون قد سجّلوا هذا الحديث المرتجل، فليس له أي أصل عندي.

ولكني لم أحاول أن أرضي طرفًا من أطراف النزاع، من دعاة التصوف وأعدائه، وأمسكت بميزان الاعتدال، مستشهدًا بما أنزل الله من الكتاب والميزان.

وكان الحضور في الملتقى من كل الاتجاهات - من أنصار التصوف ومن خصومه - يُصْغون إليّ باهتمام شديد كأن على رءوسهم الطير! وكان الإخوة المسئولون قد قالوا لي: خذ راحتك في بيان المنهج القرآني والنبوي وشرحه، فإننا نعول على هذه المحاضرة في بيان موقف إدارة الملتقى واتجاهها المتوازن بين المفْرطين في هذا الجانب.

تعليق دعاة التصوف ومعارضيه على محاضرتي:

وبعد محاضرتي، علَّق عليها كثيرون من دعاة التصوف ومن معارضيه، مثنين عليها وعلى توازنها، وعلَّق صديقنا الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فقال: لقد كشف لنا الدكتور القرضاوي أن بداخله صوفيا عميقا، يُخفيه عنا بأقواله حول السلف والسلفية، والعقل والعقلانية.

وقام شيخنا الغزالي وعانقني، وقال لي: لقد كنت موفقًا غاية التوفيق في عرض الموضوع، وترتيب أفكاره، وشرحها والاستدلال عليها، وكنت أنظر إليك كأن ملكًا يسددك.

وقال الأخ عبد الوهاب حمودة: إنك لم تكن تتكلم، ولكن كنت تتدفق كالسحاب الماطر، أو تفيض كالبحر الزاخر.

وقال الشيخ عبد الرحمن شيبان، وغيرهم من الحاضرين ما قالوا، وأنا أقول للجميع ما قاله سيدنا شعيب: {وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِ} [هود: 88].

تعليق الشيخ «بو القايد» على محاضرتي:

وكان من أهم التعليقات التي سمعتها في ذلك الملتقى: كلمة سمعتها ونحن على الغداء من الرجل الصوفي الأول في الجزائر، والذي يتبعه كثيرون من أبناء الجزائر، وكان الشيخ الروحي لشيخنا وأستاذنا المفسّر الكبير الشيخ محمد متولي الشعراوي، وقد أخذ عليه العهد عندما كان معارًا من الأزهر إلى الجزائر رئيسا لبعثتها، ذلكم هو الشيخ «بو القايد» ... فقد جلسنا على مائدة واحدة عند الغداء، وجرى الحديث عن محاضرتي، ومدى ما كان فيها من توفيق في حسن شرح المنهج الإسلامي حول الجانب الربّاني، الذي هو لباب الدين كله: {قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [الأنعام: 162].

نعمة اللوعة:

وهنا قال لي الشيخ بو القايد: اسمع يا شيخ يوسف، أقول لك: إن الله أعطاك نعمة خاصة، لا يعطيها إلا للقليلين من عباده، ولم أره أعطاها لأحد ممن سمعت.

قلت: حفظك الله، هلي لي أن أعرف هذه النعمة؟

قال: ربي أعطاك «اللوْعة»، التي تجعل لكلامك مذاقّا غير مذاق الآخرين، ووقعًا في النفوس غير وقع الآخرين ... فاحمد الله على هذه النعمة، التي لست تتكلفها تكلفًا، بل هي منحة من الله، لو تكلفتها لفسدت.

قلت: أرجو أن يعينني الله على شكرها، وأن يجعلني أهلًا لها، وأن أكون عند حسن ظن إخواني المسلمين، وان يغفر لي ما لا يعلمون.

عتْب تلاميذ مدرسة ابن باديس على الملتقى:

وكأن محاضرتي أنعشت أهل التصوف ورجاله، فاشرأبت أعناقهم، وارتفعت رءوسهم، وأمست لهم صوْلة وجولة، وهذا ما جعل إخواننا من تلاميذ مدرسة ابن باديس يتوجّسون خيفة، بل ربما ضاقوا ذرعًا بما يجري في ساعة الملتقى، وجاءني بعضهم يشكو ويصرخ، قائلا: لقد عاش الشيخ ابن باديس وإخوانه في جمعية العلماء: البشير الإبراهيمي، والعربي التّبسي، وغيرهم، يحملون على سموه «الطُّرُقية» التي نوَّمت لشعب الجزائري، ورضَّته بالواقع، الذي فرضه الاستعمار على البلاد، ولم تعلمه الثورة على الباطل، التمرد على الاستعمار الكافر الفاجر، الذي أفسد البلاد وأذل العباد!

واليوم نفسح لهم المجال ليعودوا من جديد، ليقودوا الأمة إلى الوراء ... إلى آخر ما قالوا.

منهجي في البناء والتقريب:

قلت: يا إخواني، هوِّنوا على أنفسكم، نحن لا نريد أن ننصب معركة بين الصوفية وغيرهم. أنتم تعلمون أن من منهجي الأساسي، وهو كذلك من منهجكم: أن نبني ولا نهدم، ونجمع ولا نفرّق، وأن نحاول التقريب بين المتباعدين ما أمكننا لنقف عند منهج وسط، نتعاون فيه فيما اتفقنا عليه، ونتسامح فيما نختلف فيه.

وأحسب أن محاضرتي كانت كلها تصبُّ في هذا المجرى، وتخدم هذه الوجهة، وقد رضي عنها الطرفان.

قالوا: ولكنهم يريدون أن يستغلوا الموقف لما هو أبعد من ذلك.

قلت: إذا رأينا ذلك يقع بالفعل فلكل حادث حديث، وهناك نعالج الموضوع بالحكمة اللازمة، {وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗا} [البقرة: 269].

محاضرة الدكتور محمد كمال جعفر:

وكان من الإخوة المشاركين معنا في هذا المؤتمر الأخ الأستاذ الدكتور محمد كمال جعفر أستاذ العقيدة والفلسفة في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، والمعار إلى كلية الشريعة في جامعة قطر، وقد كانت له دراسات حول التصوف ومصطلحاته. وقد ألقى محاضرة قيمة في هذا الملتقى حول «مصطلحات الصوفية».

لقاءات خاصة بالطلاب والطالبات:

وعلى العادة المتبعة في كل الملتقيات، رتِّبت لي لقاءات خاصة بالطلاب والطالبات في مواقعهم وجامعاتهم أو مدارسهم التي ينزلون، أو اللائي ينزلن بها. وأجبت عن تساؤلاتهم المتنوعة في أمور الدين والحياة، ولا سيما ما يتعلق بالعمل الإسلامي، والحركة الإسلامية.

والكلام في هذه الموضوعات يتطلب قدرًا من الوعي والحكمة ومعرفة الواقع، حتى لا يؤول كلامي على غير وجهه، ويُحَمّل ما لا أقبله لنفسي، فلا أحب أن أحسب على فئة بعينها، بل أحب أن أكون للمسلمين جميعًا.

لقاءات عامة بين العلماء والشباب:

وفي الملتقى، كانت هناك اللقاءات العامة بين العلماء والشباب، الشباب يسألون، والعلماء يجيبون، في كل ما يخطر لهم من قضايا الإسلام، أو العصر والمجتمع والحياة، وكان الطلاب يوجهون بعض الأسئلة الخاصة إلى شيوخ معينين من الحضور، وكثيرًا ما يكون لي نصيب الأسد فيها، وكنت أجيب عنها بما يفتح الله عليّ، سائرًا على نهجي الوسطي الذي آمنت به، ونذرت نفسي لإشاعته وتأصيله وتثبيته، ولله الحمد رب السماوات، ورب الأرض، رب العالمين.

تكاثر الواجبات:

عشنا في رحاب هذا البلد المعروف بحماماته المعدنية، وعرض عليّ الإخوة أن أبقى بعد الملتقى أيامًا، أستفيد فيها من هذه الحمامات التي يقبل عليها الناس من كل حدب وصوب، وكنت في أشدّ الحاجة إلى ذلك. ولكن مشكلتي دائمًا هي الوقت الذي أراه يضيق يومًا بعد يوم عن واجباتي التي تتكاثر هي الأخرى يومًا بعد يوم.

ففضلًا عن التزاماتي الإدارية من عمادة كلية الشريعة بجامعة قطر، وإدارة مركز بحوث السنة والسيرة بها، وهذا عدا المحاضرات المنهجية التي ما زلت ملتزمًا بها لبعض طلابي، كان عندي شيء عاجل لم أعد أذكر ما هو، لا بد أن أعجل سفري لإدراكه مع أنا كنا في الإجازة الصيفية، ولذلك لم أبق إلى آخر يوم في الملتقى لأعود بالطائرة الخاصة مع الوزير والمشاركين، بل استأذنت منهم، لأذهب بالسيارة إلى قسنطينة التي لم تكن تبعد كثيرًا عن مدينة الملتقى، ومن هناك نأخذ الطائرة إلى العاصمة.

من قسنطينة إلى الجزائر ثم القاهرة:

وانتقلت بالسيارة إلى قسنطينة، وأذكر أنه كان معي من الإمارات العربية: الأخ الدكتور على العجلة، ورئيس تحرير مجلة «منار الإسلام» في ذلك الوقت. وبعد وقت قصير قضيناه في قسنطينة توجّهنا إلى الجزائر العاصمة، وبتنا فيها ليلة، استقللت بعدها الطائرة الجزائرية التي نقلتني إلى القاهرة.

..............

(1) «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (11/18).