الشيخ الدكتور سلمان العودة

لاحظت أن سماحة الشيخ يتميز بقدر كبير من الموسوعية، فأنت تجده متمكنًا من علم الأصول، والفقه، واللغة، والتاريخ، والأدب، والشعر، والسياسة. مع شمولية العطاء والعمل، وتنوع المناشط، والنزول للميدان، والطاقة الإيجابية، والقدرة على تجاوز الصعاب والعقبات والتحديات، مهما كانت مريرة وقاسية، وحتى لو صدرت من حبيب أو قريب، أو جار أو زميل في الميدان!

أذكر من العلماء الموسوعيين الذين لقيتهم الشيخ علي الطنطاوي، قرأت كل مؤلفاته، كما قرأت مؤلفات سماحة الشيخ يوسف القرضاوي، ثم كُتب لي أن أتصل بالشيخ علي الطنطاوي في مرحلة متقدمة من عمره، وكان في مكة المكرمة، وفرح بنا ودامت الصلة..

وأبرز الفروق أن الشيخ يوسف القرضاوي يمتاز بالروح الحركية المتوقِّدة، ولو كان متفرغًا للتأليف؛ لقلت: لا غرابة. لكن الشيخ منهمك في حراك لا يتوقف، حتى لا تكاد تجد تجمعًا محدودًا في بضعة نفر؛ إلا وتجد الشيخ من بينهم، ولا تسمع بمؤتمر إسلامي في الشرق أو الغرب؛ إلا وجدته مشاركًا فيه.

قابلتُ الشيخ في ماليزيا، ووجدته يحدثنا عن زيارته للصين، كنت في قرارة نفسي أتعجَّب من الشيخ وهو يقول: أتيت من الصين ولا بد أن تُزار الصين. وأقول في نفسي: ومن أين للناس هذه الروح الفاعلة النشطة، التي لا تمل، ولا يُسئمها طول الترحال، وعناء الطريق، ووعثاء السفر؟!

رأيتُ الشيخ يتكلم في مناسبات كثيرة ارتجالًا بلا ورق ولا عناصر ولا تحضير، ويُخيَّل إليَّ أن الشيخ سيُكرر نفسه، وحين أسمعه يفتتح المؤتمرات؛ أجده يتجدد، ويأتي بأفكار وكلمات جديدة، ويضيف كل يوم جديدًا. بينما الآخرون - وهم علماء فطاحل - يكاد الإنسان يحفظ ما قالوه.

الشيخ الموسوعي يتميز بذاكرة فذة، والذاكرة عمرها طويل، وها هو يُذَكِّرني بلقاء قديم بيننا في إندونيسيا مضى عليه أكثر من (35) سنة، حين لقيت الشيخ في بيت الشيخ محمد ناصر، وهو لا يستذكر الأشياء القديمة فحسب؛ بل الأشياء التي وقعت بالأمس أكثر منا «نحن الشباب»!

وحين يكون الأمر أكاديميًا معرفيًا يختلف الأمر، وقد رأيت الشيخ في العديد من الملتقيات، مثل: مجلس الإفتاء الأوروبي؛ يُقدّم بحوثًا، فأتعجب كيف يجد وقتًا لكي يكتب بحثًا في جزئية ربما يكون الشيخ حفظها منذ الصغر، وقرأها على الشيوخ، وقرأ فيها واطَّلع.

الموسوعية منَّة يمن الله على بعض عباده بها، وإنما توجد في الندرة من الناس، ولكن على الإنسان أن يقتبس منها؛ لأن المقام ليس الثناء المجرد، وإنما مقام الدرس والاقتباس، فعلى الطالب أن ينوِّع معلوماته ومعارفه، ويستفيد ممن حوله، ويقرأ في ألوان المعرفة.

إذا تكلَّم الشيخ ارتجالًا جاء بالآية وتفسيرها، والحديث، وتخريجه، والحكم عليه، والتجارب الواقعية، والقصص، والشعر الفصيح. ما يعطى الكلام حلاوة وطلاوة وتجددًا، ويبعد السآمة والملل.

الموسوعية تجعل عقل الإنسان حيًّا، نيِّرًا، متجددًا، عارفًا كيف يتعامل مع المتغيرات والمستجدات.

ومع الموسوعية تبرز ميزة المشاركة والحراك والتفاعل مع الأحداث، ومع المستجدات، والقرب من الناس.

......

- المصدر: العلامة يوسف القرضاوي.. ريادة علمية وفكرية وعطاء دعوي وإصلاحي