د. محمد أنس مصطفى الزرقا

اشتهر د. سيد طنطاوي مفتي مصر الأسبق، وشيخ الأزهر سابقًا، بفتواه بأن فوائد البنوك «حلال حلال حلال»، بزعم أنها أرباح مضاربة. واحتجَّ بحجج هي أوهى من خيط العنكبوت، فنَّدها له بالتفصيل خبراء التمويل، وفقهاء من أصدقائه، واقتصاديون، فلم يُجدِ ذلك فتيلًا؛ فتصدى له كثير من العلماء بالنقد الشديد، وفي طليعتهم شيخنا الجليل القرضاوي.

ثم بلغنا نبأ وفاة د. سيد طنطاوي، وأن شيخنا أرسل برقية تعزية رقيقة لأسرته. قلنا: التعزية واجب متعارف يتجاوز الخلافات مهما اشتدت. لكن بعد قليل، أبرق إليَّ صديق على الشابكة أن شيخنا القرضاوي كتب رثاء أرفق صديقي نصه.

غمَّني هذا الخبر، وقررت ألا أفتح المرفق بالبريد؛ لأنه سوف يسوؤني، وقلت في نفسي: ما عسى أن يقول الشيخ؟ الكل يعلمون نقده الشديد السابق، فإن بيَّنه لم يكن ذلك لائقًا في موضع رثاء، وإن سكت عنه أو قال بعض المجاملات؛ كان ذلك نقضًا لنقده المحقِّ السابق.

بعد يومين غلب فضولي صبري، ففتحت المرفق بالبريد مستعدًا للأسوأ؛ ففاجأني السرور بما قرأت.

رثاء بليغ، جمع ما خلته هيهات أن يجتمع: الصدق في ذكر ما هو محل اختلاف ونقد شديد، والصدق في ذكر جوانب طيبة من حياة الفقيد وسلوكه.

وشعرت أن هذا الرثاء قطعة أدبية بليغة جديرة بالتدريس، ومثل كريم للخلق الإسلامي في التعامل بين المختلفين.

......

- المصدر: «العلامة يوسف القرضاوي.. ريادة علمية وفكرية وعطاء دعوي وإصلاحي».