سائلة تقول: هناك إنسانة عرفتها، وهي لا تكذب أبدًا، أكرِّر: لا تكذب أبدًا، محافظة على الصلوات وقراءة القرآن بشكل متواصل، يتيمة الأب والأم، يحدث معها أشياء وحوادث غريبة جدًّا، منها أنها في أحد الليالي كانت تقرأ القرآن، فشاهدتْ نورًا موجَّهًا على المصحف، ويتتبع معها الآية التي تقرؤها، وعندما وصلتْ إلى نهاية الصفحة قُلبت الصفحة من غير أن تقلبها.

وفي إحدى المرات كانت قد انتهتْ من الصلاة، وشاهدتْ على بعد خمسة أمتار رجلًا كبيرًا في السن، لحيته بيضاء، ويلبس ملابس بيضاء، حاولتْ الاقتراب منه لكنه اختفى، الرجاء التفسير، هل يعتبر ما قالته لي إفشاء سر كان يجب ألا تتحدث به؟ وإن كانت هناك كتب تفسر مثل هذه المواضيع أرجو أن تدلني عليها.

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:                           

قد يكون هذا صحيحا، وقد يكون وهمًا، هي لا تكذب، ولكن ربما يُهيَّأ لها، وعلى كل حال ليس غريبًا ما رأته، فبعض الناس عندهم من الصفاء النفسي ما يجعلهم يرون ما لا يرى الآخرون، وتحدث لهم خوارق، أو كرامات باصطلاح أهل العلم، وقد روى البخاري في صحيحه أن أسيد بن حضير، قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكتَ، فسكتَتْ، فقرأ، فجالت الفرس، فسكت وسكتَتِ الفرس، ثم قرأ، فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجترَّه رفع رأسه إلى السماء، حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اقرأ يا ابن حُضَير، اقرأ يا ابن حضير". قال: فأشفقت يا رسول الله، أن تطأ يحيى (ابنه)، وكان منها قريبًا، فرفعتُ رأسي، فانصرفَتْ إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظُّلَّة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها. قال: "وتدري ما ذاك؟". قال: لا. قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم"(1). والأخت السائلة تقول: إن صديقتها تقول: إنها مصلية وصائمة وتخاف الله، فلعل هذا إكرام من الله تعالى لها، والله تعالى يخرق العوائد لمن شاء من خلقه.

ولا نزاع في وقوع الكرامات والخوارق التي يكرم الله بها بعض أوليائه المتَّقين، فيقرب لهم البعيد، أو يكثر على أيديهم القليل، أو يكشف لهم بعض المستور من غيوب المستقبل، أو مكنونات الصدور، أو خفايا الأمور، أو يذلل لهم بعض الصعاب، بغير الطريق المعتاد، إلى غير ذلك مما كثُرت فيه الحكايات، وتناقلته الروايات.

ونحن نقرأ في سورة آل عمران عن مريم ابنة عمران أم عيسى التي ذكر القرآن لنا ولادتها وقالت أمها: {إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36].  نجد القرآن يذكر لنا بعض ما جرى في صباها عن زكريا عليه السلام: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}  [آل عمران:37].

...................

(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين (796)، والبخاري في فضائل القرآن (5018) معلَّقًا بصيغة الجزم، عن أسيد بن حضير.