السؤال: أنا امرأة أبلغ من العمر خمسًا وأربعين سنة، توفِّي زوجي منذ فترة طويلة، ولم أتزوج بعده، ولي أولاد ذكور وبنات، كبِروا والحمد لله، وجميعهم متزوجون، وأنا الآن أريد أن أتزوج، وقد تقدم لي رجل يريدني للزواج، وأنا راضية به، وراغبة فيه، ولكن أبنائي وبناتي يرفضون ذلك بشدة، رفضوا جميعًا أن أتزوج بهذا الرجل أو بغيره، والشريعة تقول: لا بد من الولي للمرأة لكي تتزوج، وابني الكبير يرفض زواجي بشدة، فأنا أريد أن أوكِّل قاضيًا يزوجني لهذا الرجل مع وجود الشهود في دولة عربية سرًّا، حتى لا يعلم أولادي، واتفقنا على عدم الإنجاب وعدم العرس ومتطلبات الزواج الأخرى، حيث إن هذا الرجل سيدفع لي مهرًا، ويتكفل بحياتي ونفقتي الزوجية، فما قولكم في هذا؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه..

لا حق لهؤلاء الأولاد والبنات في منع أمهم من الزواج، هذا تعسُّف وتحكُّم لا مبرر له شرعًا، ومن حق المرأة أن تتزوج، وللأسف فكثير من الناس يعتبرون زواج المرأة الأرملة أمرًا منكرًا، وهو شيء مباح لا حرمة فيه، ولا عيب فيه، وكانت المرأة من نساء الصحابة والسلف الصالح تتزوج بمجرد انقضاء عدتها من زوجها المتوفَّى، ففي حديث سُبَيْعة الأسلمية: أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو في بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرًا، فتُوُفِّي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب (أي: لم تلبث) أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعَلَّت من نفاسها، تجمَّلت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك- رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجمِّلَة؟ لعلك ترجين النكاح! إنك، والله، ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حَلَلْتُ حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي.(1)  

قضت المرأة عدتها بولادتها، فالله تعالى قال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (الطلاق:4)، ومن حقها أن تتزوج، فلم يكن هناك حرج.

أسماء بنت عميس رضي الله عنها حينما استشهد زوجها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، تزوجت بعد أن انتهت عدتها منه أبا بكر الصديق، ولما مات أبو بكر وانتهت عدتها منه خطبها وتزوجها علي بن أبي طالب، ولم تجد حرجًا، ولم يجد أحد من المسلمين حرجًا في ذلك. الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة:87) .

فلا أدري من أين جاءت هذه القضية، أن المرأة الأرملة تترمل على أولادها ولا تتزوج!! لو افترضنا أن زواجها سيضر بأولادها، ورضيت أن لا تتزوج وتتأيم عليهم، فجزاها الله خيرًا!

أما هذه المرأة السائلة، فترملت وتأيمت، وكبر أولادها وتزوجوا، فأصبح من حقها أن تتزوج، لماذا هذا التحكم من الأبناء والبنات في الأم ومنعها من الزواج؟!

فأنا أرى أن هذه المرأة توكِّل قاضيًا في قطر، لماذا تذهب إلى بلد آخر؟ أنا أرى أنها لو ذهبت إلى المحكمة الشرعية وقالت لهم: أريد أن أتزوج، وهي امرأة عاقلة، عمرها خمس وأربعون سنة، وعندها أولاد كبار، وبنات كبار، أي ليست طفلة صغيرة، وهي ثيِّب تملك أمر نفسها، وابنها الكبير الذي هو الآن وليها، يعتبر في الشرع عاضلًا، والعضل: هو منع المرأة بغير حق من الزواج بمن تريد، قال الله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة:232)، {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (النساء:19)، فهذا عضل ومنع للمرأة من حقها، ففي هذه الحالة يستطيع القاضي أن يزوِّجها، وأرى أن هذا أولى من أن تذهب إلى بلد عربي وتتزوج سرًّا، فذلك قد يثير حولها كلامًا لا داعي له.

وأقول: زواجك أيتها الأخت السائلة، التي تحمَّلت ما تحملت بعد موت زوجك من أجل تربية أبنائك، زواجك من حقك، ولا يجوز لأبنائك وبناتك أن يمنعوك من هذا الحق الفطري، الذي شرعه الله ورسوله، بأي كتاب أم بأي سنة يمنعها أولادها؟!

.....

(1) متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (3991)، ومسلم في الطلاق (1484)، عن سبيعة الأسلمية.