د. وصفي أبو زيد

في عام 2016م أكرمني الله تعالى بكتابة ورقة للإسهام بها في تكريم شيخنا الإمام يوسف القرضاوي بمناسبة بلوغه التسعين، وهذه بداية مقدمة الورقة:

بين يدي الذكريات

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، واتبع هداه إلى يوم لقاه، وبعد،

فإن الحديث عن العلماء أمر محبب إلى النفس، ومسعد للقلب، وشارح للصدر، وهائج للشوق، ومهذب للوجدان، فكيف إذا كان عن عالم علَم، وإمام رباني، وفقيه أصولي، وداعية نوراني، وإمام عامل مُعلِّم مجاهد من أئمة الهدى في هذا الزمان؟ وكيف إذا كانت لك به صلة، ولك معه ذكريات، وبينك وبينه مواقف؟..

بوح المريد عن الشيخ

إنه إذن حديث التلميذ عن الأستاذ، وبوح المريد عن الشيخ، وخواطر المتربي عن المربي..

حديث تملؤه الإنسانية والمشاعر الفياضة بالقدوة الحسنة والأبوة الحانية والروح الشفافة الرفافة..

بعيدًا عن الحديث العلمي الأكاديمي الذي تنطفئ حرارته وإشعاعاته بين يدي فصوله ومباحثه ومطالبه وتقسيماته وتفريعاته وأدلته وترجيحاته..

 إنه حديث النفس الإنسانية بمشاعرها وآفاقها.. وحديث الذكريات!

إنه إمام عصرنا، وفقيه دنيانا، وربانيُّ هذه الأمة في هذا العصر، أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن عبد الله القرضاوي، أكبر مرجعية سنية إسلامية شرعية في العالم الإسلامي في عصره، وأكبر عالم معاصر ترجمت له كتب بأكبر عدد لغات ممكن، وأول من دعا في عصرنا إلى التبشير في الدعوة والتيسير في الفتوى معا..

القرضاوي من العلماء النادرين الموسوعيين من الأحياء

يعد من العلماء النادرين الموسوعيين من الأحياء؛ حيث ارتادوا علوما كثيرة كتبوا فيها وأبدعوا وأجادوا وجددوا، فكتب شيخنا في الفقه والأصول ومقاصد الشريعة والفتوى والتفسير والعقيدة والاقتصاد والدعوة والفكر والتزكية والأسرة والدولة والسياسة، وغيرها، وأقيمت عنه ندوات ومؤتمرات لتكريمه والبحث في فكره وفقهه، وصدرت بذلك أعمال منشورة لم تقم عن غيره، وأُخذت فيه رسائل ماجستير ودكتوراه، في الفقه وتجديده، وفي الأصول ومنهجه، وفي التفسير، والدعوة، والاقتصاد، وغيرها..

وحسبك أن تعلم أن كتابه «الحلال والحرام» أخذت فيه رسالة ماجستير، خلافا للكتب والأبحاث التي كتبت عنه، والمؤتمرات التي أقيمت لفكره ومنهجه.

حارب طغاة الأنظمة العربية المستبدة

لقد أسهم إمامنا في اقتلاع الفساد والطغيان من جذوره، بل كان من الآباء الكبار الذين حاربوا المستبدين والطغاة ممثلين في الأنظمة العربية المستبدة، وذلك بفتاويه وخطبه وكتبه، فلم يبرز خطاب شرعي لعالم معاصر في الربيع العربي مثله، وكان الثوار يترقبون خطابه وخطبه وبياناته في الميادين العربية، وقد كتبت -بحمد الله!- عنه كتابا بعنوان: «القرضاوي الإمام الثائر، دراسة أصولية لمعالم اجتهاده في الثورة المصرية»، يرصد منهجه الشرعي وخطابه في هذه الثورات بمنطلقاته وقواعده الشرعية وخصائصه المنهجية وآثاره الداخلية والخارجية.

رابطة تلاميذ القرضاوي

لقد جمع شيخنا الإمام في شخصه مقومات وملكات العالم الرباني؛ حيث حاز التتلمذ على كبار مشايخ الأزهر، وكبار علماء الحركة الإسلامية المعاصرة معا، فجمع بين الفقه والواقع، والعلم والعمل، وراعى محكمات الشرع ومقتضيات العصر، وعمل على تحقيق مقاصد الشريعة ورعاية مصالح الناس؛ فهو أول من دعا للاهتمام بأنواع من الفقه معا: فقه السنن، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه الواقع، وفقه المآلات، وغيرها، وأول عالم معاصر على قيد الحياة كوَّن مدرسة وتلاميذ، وكونت هذه المدرسة رابطة عرفت باسم «رابطة تلاميذ القرضاوي»، تجمع علماء ودعاة من جميع أنحاء العالم.

يأبى الحديث عن الشيخ إلا أن يستدرجك إلى جوانبه العلمية والفكرية، ونشاطه العلمي والجهادي بالقلم واللسان والخطابة والبيان، فجوانب الحديث عن الشيخ متنوعة، ومجال القول ذو سعة، ومناحي إبداعه خصبة ونافعة، ولابد من زجر القلم وتحويله إلى ما انتُدب للكتابة فيه!

.....

- المصدر: موقع الأمة، 21-7-2021