د. يوسف القرضاوي

الإسلام الذي ندعو إليه: إسلام واضح، وضوح الشمس في رابعة النهار، إسلام القرآن والسنة، مصادره واضحة، أصوله بيّنة، هناك قطعيات، وهناك ظنيات، القطعيات هذه هي التي تمثل الأصول الأساسية لهذا الإسلام، التي تجسد الوحدة الفكرية والشعورية والسلوكية لهذه الأمة، في العقائد، في العبادات، في الأخلاقيات، في الآداب، في الشرائع العملية، كل هذه الأمور القطعية تمثل الأسس والدعائم والمقومات، وبعد ذلك هناك أمور ظنية..

 هذه الأمور الظنية لم تترك سدى، ولكن ضبطت بضوابط، قُعِّدت لها القواعد، وأصِّلت لها الأصول، المسلمون ابتكروا علمًا لم تعرفه البشرية في أمة من أمم الحضارة، مهمة هذا العلم أن يضبط الاستدلال فيما فيه نص وفيما لا نص فيه، إنه علم «أصول الفقه».

الأمر إذن ليس سائبًا، إنه أمر محكم مضبوط، الإسلام الذي ندعو إليه، إسلام واضح المعالم، بَيِّن الأسس، بَيِّن الأهداف. نحن ندعو إلى «الإسلام الأول» قبل أن تضاف إليه الشوائب والبدع والمحدثات، نريد الإسلام المنقّى، الإسلام المصفّى، كما فهمه خير أجيال هذه الأمة، الصحابة ومن تبعهم بإحسان، أفهم الناس لروح الإسلام، ولمقاصد الإسلام، نستهدي بفهم هؤلاء، وما عدا ذلك فكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صصص.

نحن ندعو إلى إسلام يتجدد فيه الفهم والاجتهاد لمشكلات العصر، لا ندعو إلى جمود ولا انغلاق ولا عصبية مذهبية، نأخذ من كل المذاهب، وليس هذا مقصورًا على المذاهب الأربعة، بل هناك مذاهب الصحابة والتابعين، عشرات الفقهاء ومئاتهم، هؤلاء تركوا لنا ثروة خصبة وثرية، نستطيع أن نغترف منها وننهل منها؛ لنواجه حياتنا ونواجه التطور.

الشريعة الإسلامية لا تضيق بواقعة من الوقائع، الشريعة الإسلامية حكمت أممًا حضارية مختلفة، خرجت من جزيرة العرب، لتحكم بلادًا كان يحكمها الفرس والروم، مدنيات قديمة، مدنية الفرس ومدنية الروم البيزنطيين، ومدنية الهند، ومدنية الصين، ومدنية الفراعنة في مصر. حكمت الشريعة الإسلامية هذه الديار كلها فلم تضق بجديد، كان لها مع كل حادث حديث، ومع كل مشكلة علاج، ومع كل معضلة حل، هذه الشريعة موجودة والحمد لله.

إننا نستطيع أن نحل كل مشكلاتنا المعاصرة في ضوء اجتهاد إسلامي صحيح، يسترشد بالأصول، ويستهدي بتراث السابقين، ويلتزم بالقرآن وصحيح السنة، ولكنه أيضًا ينظر إلى العصر وتياراته ومشكلاته بالعين الأخرى.

...........

* من كتاب «الإسلام الذي ندعو إليه» لفضيلة العلامة.